﴿ ذَالِكَ ﴾ إشارة إلى الرد أي الرد إلى الكتاب والسنة ﴿ خَيْرٍ ﴾ عاجلاً ﴿ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا ﴾ [النساء : ٥٩] عاقبة كان بين بشر المنافق ويهودي خصومة، فدعاه اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلّم لعلمه أنه لا يرتشي ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف ليرشوه، فاحتكما إلى النبي عليه السلام فقضى لليهودي فلم يرض المنافق وقال : تعال نتحاكم إلى عمر.
فقال اليهودي لعمر رضي الله عنه : قضى لي رسول الله صلى الله عليه وسلّم فلم يرض بقضائه.
فقال عمر للمنافق : أكذلك؟ قال : نعم.
فقال عمر : مكانكما حتى أخرج إليكما فدخل عمر فأخذ سيفه ثم خرج فضرب به عنق المنافق فقال : هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء الله ورسوله فنزل.
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُوا بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ﴾ [النساء : ٦٠] وقال جبريل عليه السلام : إن عمر فرق بين الحق والباطل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم " أنت الفاروق " ﴿ يُرِيدُونَ ﴾ حال من الضمير في يزعمون ﴿ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّـاغُوتِ ﴾ [النساء : ٦٠] أي كعب بن الأشرف سماه الله طاغوتاً لإفراطه في الطغيان وعداوة رسول الله عليه السلام، أو على التشبيه بالشيطان، أو جعل اختيار التحاكم إلى غير رسول الله صلى الله عليه وسلّم على التحاكم إليه تحاكماً إلى الشيطان بدليل قوله ﴿ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَـانُ أَن يُضِلَّهُمْ ﴾ [النساء : ٦٠] عن الحق ﴿ ضَلَـا بَعِيدًا ﴾ [النساء : ٦٠] مستمراً إلى الموت ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ﴾ [البقرة : ٩١] للمنافقين ﴿ تَعَالَوا إِلَى مَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ ﴾ [النساء : ٦١] للتحاكم ﴿ رَأَيْتَ الْمُنَـافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا ﴾ [النساء : ٦١] يعرضون عنك إلى غيرك ليغروه بالرشوة فيقضي لهم
٣٤٠
﴿ فَكَيْفَ ﴾ تكون حالهم وكيف يصنعون ﴿ إِذَآ أَصَـابَتْهُم مُّصِيبَةُ ﴾ [النساء : ٦٢] من قتل عمر بشرا ﴿ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ [الروم : ٣٦] من التحاكم إلى غيرك واتهامهم لك في الحكم ﴿ ثُمَّ جَآءُوكَ ﴾ [النساء : ٦٢] أي أصحاب القتيل من المنافقين ﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ﴾ [النساء : ٦٢] حال ﴿ إِنْ أَرَدْنَآ ﴾ [النساء : ٦٢] ما أردنا بتحاكمنا إلى غيرك ﴿ إِلا إِحْسَـانًا ﴾ [النساء : ٦٢] لا إساءة ﴿ وَتَوْفِيقًا ﴾ بين الخصمين ولم نرد مخالفة لك ولا تسخطاً لحكمك، وهذا وعيد لهم على فعلهم وأنهم سيندمون عليه حين لا ينفعهم الندم ولا يغني عنهم الاعتذار.
وقيل : جاء أولياء المنافق يطلبون بدمه وقد أهدره الله فقالوا : ما أردنا بالتحاكم إلى عمر إلا أن يحسن إلى صاحبنا بحكومة العدل والتوفيق بينه وبين خصمه، وما خطر ببالنا أنه يحكم له بما حكم به.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٣٥
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٤١
﴿ أؤلئك الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِى قُلُوبِهِمْ ﴾ [النساء : ٦٣] من النفاق.
﴿ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِى أَنفُسِهِمْ قَوْ بَلِيغًا ﴾ فأعرض عن قبول الأعذار وعظ بالزجر والإنكار وبالغ في وعظهم بالتخويف والإنذار، أو أعرض عن عقابهم وعظهم في عتابهم وبلغ كنه ما في ضميرك من الوعظ بارتكابهم.
والبلاغة أن يبلغ بلسانه كنه ما في جنانه.
وفي أنفسهم يتعلق بـ قل لهم أي قل لهم في معنى أنفسهم الخبيثة وقلوبهم المطوية على النفاق قولاً بليغاً منهم ويؤثر فيهم.
﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ ﴾ [النساء : ٦٤] أي رسولاً قط ﴿ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [النساء : ٦٤] بتوفيقه في طاعته وتيسيره، أو بسبب إذن الله في طاعته وبأنه أمر المبعوث إليهم بأن يطيعوه لأنه مؤد عن الله فطاعته طاعة الله و ﴿ مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [النساء : ٨٠] (النساء : ٠٨) ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ ﴾ [النساء : ٦٤] بالتحاكم إلى الطاغوت ﴿ جَآءُوكَ ﴾ تائبين من النفاق معتذرين عما ارتكبوا من الشقاق ﴿ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ ﴾ [النساء : ٦٤] من النفاق والشقاق ﴿ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ ﴾ [النساء : ٦٤] بالشفاعة لهم.
والعامل في إذ ظلموا خبر " أنّ " وهو جاؤوك والمعنى :
٣٤١


الصفحة التالية
Icon