ولو وقع مجيئهم في وقت ظلمهم مع استغفارهم واستغفار الرسول ﴿ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا ﴾ [النساء : ٦٤] لعلموه تواباً أي لتاب عليهم.
ولم يقل " واستغفرت لهم " وعدل عنه إلى طريقة الالتفات تفخيماً لشأنه صلى الله عليه وسلّم وتعظيماً لاستغفاره وتنبيهاً على أن شفاعة من اسمه الرسول من الله بمكان ﴿ رَّحِيمًا ﴾ بهم.
قيل : جاء أعرابي بعد دفنه عليه السلام فرمى بنفسه على قبره وحثا من ترابه على رأسه وقال : يا رسول الله، قلت فسمعنا وكان فيما أنزل عليك : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم الآية.
وقد ظلمت نفسي وجئتك أستغفر الله من ذنبي فاستغفر لي من ربي، فنودي من قبره قد غفر لك.
﴿ فَلا وَرَبِّكَ ﴾ [النساء : ٦٥] أي فوربك كقوله
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٤١
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْـاَلَنَّهُمْ ﴾ [الحجر : ٩٢] (الحجر : ٢٩) " ولا " مزيدة لتأكيد معنى القسم وجواب القسم ﴿ لا يُؤْمِنُونَ ﴾ [البقرة : ٦] أو التقدير : فلا أي ليس الأمر كما يقولون ثم قال وربك لا يؤمنون ﴿ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ﴾ [النساء : ٦٥] فيما اختلف بينهم واختلط ومنه الشجر لتداخل أغصانه ﴿ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجًا ﴾ [النساء : ٦٥] ضيقاً ﴿ مِّمَّا قَضَيْتَ ﴾ [النساء : ٦٥] أي لا تضيق صدورهم من حكمك أو شكًّا، لأن الشاك في ضيق من أمره حتى يلوح له اليقين ﴿ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء : ٦٥] وينقادوا لقضائك انقياداً وحقيقته.
سلم نفسه له وأسلمها أي جعلها سالمة له أي خاصة.
وتسليماً مصدر مؤكد للفعل بمنزلة تكريره كأنه قيل : وينقادوا لحكمك انقياداً لا شبهة فيه بظاهرهم وباطنهم، والمعنى لا يكونون مؤمنين حتى يرضوا بحكمك وقضائك ﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ ﴾ [النساء : ٦٦] على المنافقين أي ولو وقع كتبنا عليهم ﴿ أَنِ اقْتُلُوا ﴾ [النساء : ٦٦] أن هي المفسرة ﴿ أَنفُسَكُمْ ﴾ أي تعرضوا للقتل بالجهاد.
أو ولو أوجبنا عليهم مثل ما أوجبنا على بني إسرائيل من قتلهم أنفسهم ﴿ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَـارِكُم ﴾ [النساء : ٦٦] بالهجرة ﴿ مَّا فَعَلُوهُ ﴾ [النساء : ٦٦] لنفاقهم.
والهاء ضمير أحد مصدري الفعلين وهو القتل أو الخروج أو ضمير المكتوب لدلالة كتبنا عليه ﴿ إِلا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ﴾ [النساء : ٦٦] قليلاً : شامي على الاستثناء والرفع على البدل من واو فعلوه ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ ﴾ [النساء : ٦٦] من اتباع رسول
٣٤٢
الله عليه السلام والانقياد لحكمه ﴿ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ ﴾ [محمد : ٢١] في الدارين ﴿ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ﴾ [النساء : ٦٦] لإيمانهم وأبعد عن الاضطراب فيه ﴿ وَإِذَا ﴾ جواب لسؤال مقدر كأنه قيل : وماذا يكون لهم بعد التثبيت؟ فقيل : وإذا لو ثبتوا ﴿ لاتَيْنَـاهُم مِّن لَّدُنَّآ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ أي ثواباً كثيراً لا ينقطع.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٤١