من كل عدو ﴿ فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ ﴾ [النساء : ٩١] فإن لم يعتزلوا قتالكم ﴿ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ ﴾ [النساء : ٩١] عطف على " لم يعتزلوكم " أي ولم ينقادوا لكم بطلب الصلح ﴿ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ ﴾ [النساء : ٩١] عطف عليه أيضاً أي ولم يمسكوا عن قتالكم ﴿ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ﴾ [النساء : ٩١] حيث تمكنتم منهم وظفرتم بهم ﴿ وَأُوالَـائكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَـانًا مُّبِينًا ﴾ [النساء : ٩١] حجة واضحة لظهور عداوتهم وانكشاف حالهم في الكفر والغدر وإضرارهم بالمسلمين، أو تسلطاً ظاهراً حيث أذنا لكم في قتلهم.
﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ﴾ [النساء : ٩٢] وما صح له ولا استقام ولا لاق بحاله ﴿ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا ﴾ [النساء : ٩٢] ابتداء من غير قصاص أي ليس المؤمن كالكافر الذي تقدم إباحة دمه ﴿ إِلا خَطَـاًا ﴾ [النساء : ٩٢] إلا على وجه الخطأ وهو استثناء منقطع بمعنى " لكن " أي لكن إن وقع خطأ، ويحتمل أن يكون صفة لمصدر أي إلا قتلاً خطأ والمعنى : من شأن المؤمن أن ينتفي عنه وجود قتل المؤمن ابتداء البتة إلا إذا وجد منه خطأ من غير قصد بأن يرمي كافراً فيصيب مسلماً أو يرمي شخصاً على أنه كافر فإذا هو مسلم ﴿ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَاًا ﴾ [النساء : ٩٢] صفة مصدر محذوف أي قتلاً خطأ ﴿ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ﴾ [النساء : ٩٢] مبتدأ والخبر محذوف أي فعليه تحرير رقبة.
والتحرير : الإعتاق، والحر والعتيق الكريم لأن الكرم في الأحرار كما أن اللؤم في العبيد، ومنه عتاق الطير وعتاق الخيل لكرامها.
والرقبة : النسمة ويعبر عنها بالرأس في قولهم :" فلان يملك كذا رأساً من الرقيق
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٥٣
﴿ مُّؤْمِنَةٍ ﴾ قيل : لما أخرج نفساً مؤمنة من جملة الأحياء لزمه أن يدخل نفساً مثلها في جملة الأحرار، لأن إطلاقها من قيد الرق كإحيائها من قبل أن الرقيق ملحق بالأموات، إذ الرق أثر من آثار الكفر والكفر موت حكماً.
٣٥٤
﴿ أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَـاهُ ﴾ [الأنعام : ١٢٢] (الأنعام : ٢٢١).
ولهذا منع من تصرف الأحرار وهذا مشكل إذ لو كان كذلك لوجب في العمد أيضاً، لكن يحتمل أن يقال : إنما وجب عليه ذلك لأن الله تعالى أبقى للقتال نفساً مؤمنة حيث لم يوجب القصاص فأوجب عليه مثلها رقبة مؤمنة.
﴿ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ ﴾ [النساء : ٩٢] مؤادة إلى ورثته يقتسمونها كما يقتسمون الميراث لا فرق بينها وبين سائر التركة في كل شيء فيقضي منها الدين وتنفذ الوصية، وإذا لم يبق وارث فهي لبيت المال.
وقد ورّث رسول الله صلى الله عليه وسلّم امرأة أشيم الضبابي من عقل زوجها أشيم، لكن الدية على العاقلة والكفارة على القاتل.
﴿ إِلا أَن يَصَّدَّقُوا ﴾ [النساء : ٩٢] إلا أن يتصدقوا عليه بالدية أي يعفوا عنه، والتقدير : فعليه دية في كل حال إلا في حال التصديق عليه بها.
﴿ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ ﴾ [النساء : ٩٢] فإن كان المقتول خطأ من قوم أعداء لكم أي كفرة فالعدو يطلق على الجمع ﴿ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾ [الإسراء : ١٩] أي المقتول مؤمن ﴿ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ﴾ [النساء : ٩٢] يعني إذا أسلم الحربي في دار الحرب ولم يهاجر إلينا فقتله مسلم خطأ تجب الكفارة بقتله للعصمة المؤثمة وهي الإسلام، ولا تجب الدية لأن العصمة المقومة بالدار ولم توجد ﴿ وَإِن كَانَ ﴾ [الحجر : ٧٨] أي المقتول ﴿ مِن قَوْم بَيْنَكُمْ ﴾ [النساء : ٩٢] بين المسلمين ﴿ وَبَيْنَهُم مِّيثَـاقٌ ﴾ [النساء : ٩٠] عهد ﴿ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ﴾ [النساء : ٩٢] أي وإن كان المقتول ذمياً فحكمه حكم المسلم، وفيه دليل على أن دية الذمي كدية المسلم وهو قولنا ﴿ فَمَن لَّمْ يَجِدْ ﴾ [البقرة : ١٩٦] رقبة أي لم يملكها ولا ما يتوصل به إليها
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٥٣