المستضعفين الذين ﴿ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً ﴾ [النساء : ٩٨] في الخروج منها لفقرهم وعجزهم ﴿ وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا ﴾ [النساء : ٩٨] ولا معرفة لهم بالمسالك.
" ولا يستطيعون " صفة للمستضعفين أو للرجال والنساء والولدان.
وإنما جاز ذلك ـ والجمل نكرات ـ لأن الموصوف وإن كان فيه حرف التعريف فليس بشيء بعينه كقوله :
ولقد أمر على اللئيم يسبني.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٥٣
﴿ فَأُوالَـائكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ ﴾ [النساء : ٩٩] و " عسى " وإن كان للإطماع فهو من الله واجب لأن الكريم إذا أطمع أنجز.
﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ﴾ [النساء : ٩٩] لعباده قبل أن يخلقهم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٥٩
﴿ وَمَن يُهَاجِرْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِى الارْضِ مُرَاغَمًا ﴾ [النساء : ١٠٠] مهاجراً وطريقاً يراغم بسلوكه قومه أي يفارقهم على رغم أنوفهم، والرغم : الذل والهوان، وأصله لصوق الأنف بالرغام وهو التراب.
يقال راغمت الرجل إذا فارقته وهو يكره مفارقتك لمذلة تلحقه بذلك ﴿ كَثِيرًا وَسَعَةً ﴾ [النساء : ١٠٠] في الرزق أو في إظهار الدين أو في الصدر لتبدل الخوف بالأمن ﴿ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا ﴾ [النساء : ١٠٠] حال من الضمير في " يخرج " ﴿ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [النساء : ١٠٠] إلى حيث أمر الله ورسوله ﴿ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ ﴾ [النساء : ١٠٠] قبل بلوغه مهاجره وهو عطف على " يخرج " ﴿ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ [النساء : ١٠٠] أي حصل له الأجر بوعد الله وهو تأكيد للوعد فلا شيء يجب على الله لأحد من خلقه.
﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾ [النساء : ٩٦] قالوا : كل هجرة لطلب علم أو حج أو جهاد أو فرار إلى بلد يزداد فيه طاعة أو قناعة أو زهداً أو ابتغاء رزق طيب فهي هجرة إلى الله، ورسوله، وإن أدركه الموت في طريقه فقد وقع أجره على الله.
﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى الارْضِ ﴾ [النساء : ١٠١] سافرتم فيها، فالضرب في الأرض هو السفر ﴿ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ ﴾ [البقرة : ٢٨٢] حرج ﴿ أَن تَقْصُرُوا ﴾ [النساء : ١٠١] في أن تقصروا ﴿ مِنَ الصَّلواةِ ﴾ [النساء : ١٠١] من أعداد ركعات الصلاة فتصلوا الرباعية ركعتين، وظاهر الآية يقتضي أن القصر رخصة في السفر والإكمال عزيمة كما قال الشافعي رحمه الله، لأن " لا جناح " يستعمل في موضع التخفيف والرخصة لا في موضع العزيمة وقلنا : القصر عزيمة غير رخصة ولا يجوز
٣٥٩
الإكمال لقول عمر رضي الله عنه : صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلّم.
وأما الآية فكأنهم ألفوا الإتمام فكانوا مظنة لأن يخطر ببالهم أن عليهم نقصاناً في القصر فنفى عنهم الجناح لتطيب أنفسهم بالقصر ويطمئنوا إليه ﴿ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [النساء : ١٠١] إن خشيتم أن يقصدكم الكفار بقتل أو جرح أو أخذ، والخوف شرط جواز القصر عند الخوارج بظاهر النص، وعند الجمهور ليس بشرط لما روي عن يعلى بن أمية أنه قال لعمر : ما بالنا نقصر وقد أمنّا؟ فقال : عجبت مما تعجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن ذلك فقال " صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ".
وفيه دليل على أنه لا يجوز الإكمال في السفر لأن التصدق بما لا يحتمل التمليك إسقاط محض لا يحتمل الرد، وإن كان المتصدق ممن لا تلزم طاعته كولي القصاص إذا عفا فمن تلزم طاعته أولى، ، ولأن حالهم حين نزول الآية كذلك فنزلت على وفق الحال وهو كقوله :﴿ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا ﴾ [النور : ٣٣] (النور : ٣٣).
دليله قراءة عبد الله " من الصلاة أن يفتنكم " أي لئلا يفتنكم على أن المراد بالآية قصر الأحوال وهو أن يومىء على الدابة عند الخوف، أو يخفف القراءة والركوع والسجود والتسبيح كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
﴿ إِنَّ الْكَـافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا ﴾ [النساء : ١٠١] فتحرزوا عنهم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٥٩