فأتموا القيام والركوع والسجود ﴿ إِنَّ الصَّلَواةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَـابًا مَّوْقُوتًًا ﴾ مكتوباً محدوداً بأوقات معلومة.
﴿ وَلا تَهِنُوا ﴾ [النساء : ١٠٤] ولا تضعفوا ولا تتوانوا ﴿ فِى ابْتِغَآءِ الْقَوْمِ ﴾ [النساء : ١٠٤] في طلب الكفار بالقتال والتعرض به لهم.
ثم ألزمهم الحجة بقوله ﴿ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ ﴾ [النساء : ١٠٤] أي ليس ما تجدون من الألم بالجرح والقتل مختصاً بكم بل هو مشترك بينكم وبينهم، يصيبهم كما يصيبكم، ثم إنهم يصبرون عليه فما لكم لا تصبرون مثل صبرهم مع أنكم أجدر منهم بالصبر لأنكم ترجون من الله ما لا يرجون من إظهار دينكم على سائر الأديان، ومن الثواب العظيم في الآخرة ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا ﴾ [النساء : ١٧] بما يجد المؤمنون من الألم ﴿ حَكِيمًا ﴾ في تدبير أمورهم.
روي أن طعمة بن أبريق ـ أحد بني ظفر ـ سرق درعاً من جار له اسمه قتادة بن النعمان في جراب دقيق، فجعل الدقيق ينتثر من خرق فيه وخبأها عند زيد بن السمين ـ رجل من اليهود ـ فالتمست الدرع عند طعمة فلم توجد وحلف ما أخذها وما له بها علم فتركوه واتبعوا أثر الدقيق حتى انتهى إلى منزل اليهودي فأخذوها فقال : دفعها إليّ طعمة وشهد له ناس من اليهود.
فقالت بنو ظفر : انطلقوا بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فسألوه أن يجادل عن صاحبهم وقالوا : إن لم تفعل هلك صاحبنا وافتضح وبرىء اليهودي فهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يفعل فنزل :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٥٩
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٦٢
﴿ إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَـابَ بِالْحَقِّ ﴾ [النساء : ١٠٥] أي محقاً ﴿ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَآ أَرَاـاكَ اللَّهُ ﴾ [النساء : ١٠٥] بما عرفك وأوحى به إليك.
وقال الشيخ أبو منصور رحمه الله : بما ألهمك بالنظر في أصوله المنزلة، وفيه دلالة جواز الاجتهاد في حقه ﴿ وَلا تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ ﴾ [النساء : ١٠٥] لأجل الخائنين ﴿ خَصِيمًا ﴾ مخاصماً أي ولا تخاصم اليهود لأجل بني ظفر ﴿ وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ ﴾ [النساء : ١٠٦] مما هممت به ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾
٣٦٢
ولا تجادل عن الّذين يختانون أنفسهم } يخونونها بالمعصية جعلت معصية العصاة خيانة منهم لأنفسهم لأن الضرر راجع إليهم، والمراد به طعمة ومن عاونه من قومه وهم يعلمون أنه سارق، أو ذكر بلفظ الجمع ليتناول طعمه وكل من خان خيانته ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ﴾ [النساء : ١٠٧] وإنما قيل بلفظ المبالغة لأنه تعالى عالم من طعمة أنه مفرط في الخيانة وركوب المآثم.
وروي أن طعمة هرب إلى مكة وارتد ونقب حائطاً بمكة ليسرق أهله فسقط الحائط عليه فقتله.
وقيل : إذا عثرت من رجل على سيئة فاعلم أن لها أخوات.
وعن عمر رضي الله عنه أنه أمر بقطع يد سارق فجاءت أمه تبكي وتقول : هذه أول سرقة سرقها فاعف عنه، فقال : كذبت إن الله لا يؤاخذ عبده في أول مرة.
﴿ يَسْتَخْفُونَ ﴾ يستترون ﴿ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة : ٦٧] حياء منهم وخوفاً من ضررهم ﴿ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ ﴾ [النساء : ١٠٨] ولا يستحيون منه ﴿ وَهُوَ مَعَهُمْ ﴾ [النساء : ١٠٨] وهو عالم بهم مطلع عليهم لا يخفى عليه خافٍ من سرهم، وكفى بهذه الآية ناعية على الناس ما هم فيه من قلة الحياة والخشية من ربهم مع علمهم أنهم في حضرته لا سترة ولا غيبة ﴿ إِذْ يُبَيِّتُونَ ﴾ [النساء : ١٠٨] يدبرون وأصله أن يكون ليلاً ﴿ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ ﴾ [النساء : ١٠٨] وهو تدبير طعمة أن يرمي بالدرع في دار زيد ليسرّق دونه ويحلف أنه لم يسرقها، وهو دليل على أن الكلام هو المعنى القائم بالنفس حيث سمى التدبير قولاً ﴿ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ﴾ [النساء : ١٠٨] عالماً علم إحاطة.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٦٢


الصفحة التالية
Icon