﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى ﴾ [النساء : ١١٥] ومن يخالف الرسول من بعد وضوح الدليل وظهور الرشد ﴿ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النساء : ١١٥] أي السبيل الذي هم عليه من الدين الحنيفي، وهو دليل على أن الإجماع حجة لا تجوز مخالفتها كما لا تجوز مخالفة الكتاب والسنة، لأن الله تعالى جمع بين أتباع غير سبيل المؤمنين وبين مشاقة الرسول في الشرط، وجعل جزاءه الوعيد الشديد فكان اتباعهم واجباً كموالاة الرسول ﴿ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى ﴾ نجعله والياً لما تولى من الضلال وندعه وما اختاره في الدنيا ﴿ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ﴾ [النساء : ١١٥] في العقبي ﴿ وَسَآءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء : ٩٧] قيل : هي في طعمة وارتداده.
﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَالِكَ لِمَن يَشَآءُ ﴾ [النساء : ٤٨] مر تفسيره في هذه السورة ﴿ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَا بَعِيدًا ﴾ [النساء : ١١٦] عن الصواب ﴿ إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ﴾ [النساء : ١١٧] ما يعبدون من دون الله ﴿ إِلا إِنَاثًا ﴾ [النساء : ١١٧] جمع أنثى وهي اللات والعزى ومناة، ولم يكن حي من العرب إلا ولهم صنم يعبدونه
٣٦٥
يسمونه أنثى بني فلان.
وقيل : كانوا يقولون في أصنامهم هن بنات الله ﴿ وَإِن يَدْعُونَ ﴾ [النساء : ١١٧] يعبدون ﴿ إِلا شَيْطَانًا ﴾ [النساء : ١١٧] لأنه هو الذي أغراهم على عبادة الأصنام فأطاعوه فجعلت طاعتهم له عبادة ﴿ مَّرِيدًا ﴾ خارجاً عن الطاعة عارياً عن الخير ومنه الأمرد ﴿ لَّعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لاتَّخِذَنَّ ﴾ [النساء : ١١٨] صفتان يعني شيطاناً مريداً جامعاً بين لعنة الله وهذا القول الشنيع ﴿ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا ﴾ [النساء : ١١٨] مقطوعاً واجباً لي في كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون وواحد لله.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٦٢
﴿ وَلاضِلَّنَّهُمْ ﴾ بالدعاء إلى الضلالة والتزيين والوسوسة ولو كان إنفاذ الضلالة إليه لأضل الكل ﴿ وَلامَنِّيَنَّهُمْ ﴾ ولألقين في قلوبهم الأماني الباطلة من طول الأعمار وبلوغ الآمال ﴿ وَلامُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ الانْعَامِ ﴾ [النساء : ١١٩] البتك : القطع.
والتبتيك للتكثير والتكرير أي لأحملنهم على أن يقطعوا آذان الأنعام، وكانوا يشقون آذان الناقة إذا ولدت خمسة أبطن وجاء الخامس ذكراً وحرموا على أنفسهم الانتفاع بها ﴿ وَلامُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ﴾ [النساء : ١١٩] بفقء عين الحامي وإعفائه عن الركوب، أو بالخصاء وهو مباح في البهائم محظور في بني آدم، أو بالوشم أو بنفي الأنساب واستلحاقها، أو بتغيير الشيب بالسواد، أو بالتحريم والتحليل، أو بالتخنث، أو بتبديل فطرة الله التي هي دين الإسلام لقوله :﴿ لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾ [الروم : ٣٠] (الروم : ٠٣).
﴿ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ ﴾ [النساء : ١١٩] وأجاب إلى ما دعاه إليه ﴿ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا ﴾ [النساء : ١١٩] في الدارين ﴿ يَعِدُهُمْ ﴾ يوسوس إليهم أن لا جنة ولا نار ولا بعث ولا حساب ﴿ وَيُمَنِّيهِمْ ﴾ ما لا ينالون ﴿ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا ﴾ [النساء : ١٢٠] هو أن يرى شيئاً يظهر خلافه
٣٦٦
﴿ أؤلئك مَأْوَااهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا ﴾ [النساء : ١٢١] معدلاً ومفراً.
﴿ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ [البقرة : ٨٢] ولم يتبعوا الشيطان في الأمر بالكفر ﴿ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا ﴾ وقرأ النخعي " سيدخلهم " ﴿ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ﴾ [يونس : ٤] مصدران الأول مؤكد لنفسه والثاني مؤكد لغيره ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلا ﴾ [النساء : ١٢٢] قولاً وهو استفهام بمعنى النفي أي لا أحد أصدق منه وهو تأكيد ثالث، وفائدة هذه التوكيدات مقابلة مواعيد الشيطان الكاذبة لقرنائه بوعد الله الصادق لأوليائه.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٦٢