الله يفتيكم والمتلو في الكتاب أي القرآن في معنى اليتامى يعني قوله :﴿ الَّـاتِى لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ ﴾ (النساء : ٣).
وهو من قولك " أعجبني زيد وكرمه " و " ما يتلى " في محل الرفع بالعطف على الضمير في " يفتيكم " أو على لفظ " الله " و " في يتامى النساء " صلة " يتلى " أي يتلى عليكم في معناهن.
ويجوز أن يكون " في يتامى النساء " بدلاً من " فيهن " والإضافة بمعنى " من " ﴿ الَّـاتِى لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ ﴾ ما فرض لهن من الميراث وكان الرجل منهم يضم اليتيمة إلى نفسه ومالها، فإن كانت جميلة تزوجها وأكل المال، وإن كانت دميمة عضلها عن التزوج حتى تموت فيرثها ﴿ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ ﴾ [النساء : ١٢٧] أي في أن تنكحوهن لجمالهن أو عن أن تنكحوهن لدمامتهن ﴿ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ ﴾ [النساء : ١٢٧] أي اليتامى وهو مجرور معطوف على " يتامى النساء "، وكانوا في الجاهلية إنما يورثون الرجال القوام بالأمور دون الأطفال والنساء ﴿ وَأَن تَقُومُوا لِلْيَتَـامَى ﴾ [النساء : ١٢٧] مجرور كالمستضعفين بمعنى يفتيكم في يتامى النساء وفي المستضعفين وفي أن تقوموا، أو منصوب بمعنى ويأمركم أن تقوموا وهو خطاب للأئمة في أن ينظروا لهم ويستوفوا لهم حقوقهم ﴿ بِالْقِسْطِ ﴾ بالعدل في ميراثهم ومالهم ﴿ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ ﴾ [البقرة : ٢١٥] شرط وجوابه ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا ﴾ [النساء : ١٢٧] أي فيجازيكم عليه.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٦٨
﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا ﴾ [النساء : ١٢٨] توقعت منه ذلك لما لاح لها من مخايله وأمارته.
والنشوز أن يتجافى عنها بأن يمنعها نفسه ونفقته وأن يؤذيها بسب أو ضرب ﴿ أَوْ إِعْرَاضًا ﴾ [النساء : ١٢٨] عنها بأن يقل محادثتها ومؤانستها بسبب كبر سن أو دمامة أو سوء في خلق أو خلق أو ملال أو طموح عين إلى أخرى أو غير ذلك ﴿ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا ﴾ [النساء : ١٢٨] كوفي.
" يصّالحا " : غيرهم أي يتصالحا وهو أصله فأبدلت التاء صاداً وأدغمت.
﴿ صُلْحًا ﴾ في معنى مصدر كل واحد من الفعلين.
ومعنى الصلح أن يتصالحا على أن تطيب له نفساً عن القسمة أو عن بعضها أو تهب له بعض المهر أو كله أو النفقة ﴿ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ﴾ [النساء : ١٢٨] من الفرقة أو من النشوز أو من الخصومة في كل شيء، أو والصلح خير من الخيور كما أن الخصومة شر من الشرور، وهذه
٣٦٩
الجملة اعتراض كقوله ﴿ وَأُحْضِرَتِ الانفُسُ الشُّحَّ ﴾ [النساء : ١٢٨] أي جعل الشح حاضراً لها لا يغيب عنها أبداً ولا تنفك عنه يعني أنها مطبوعة عليه.
والمراد أن المرأة لا تكاد تسمح بقسمها والرجل لا يكاد يسمح بأن يقسم لها إذا رغب عنها، فكل واحد منهما يطلب ما فيه راحته.
" وأحضرت " يتعدى إلى مفعولين والأول " الأنفس ".
ثم حث على مخالفة الطبع ومتابعة الشرط بقوله ﴿ وَإِن تُحْسِنُوا ﴾ [النساء : ١٢٨] بالإقامة على نسائكم، وإن كرهتموهن وأحببتم غيرهن وتصبروا على ذلك مراعاة لحق الصحبة ﴿ وَتَتَّقُوا ﴾ النشوز والإعراض وما يؤدي إلى الأذى والخصومة ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [النساء : ١٢٨] من الإحسان والتقوى ﴿ خَبِيرًا ﴾ فيثيبكم عليه.
وكان عمران الخارجي من أدمّ بني آدم وامرأته من أجملهم فنظرت إليه وقالت : الحمد لله على أني وإياك من أهل الجنة.
قال : كيف؟ فقالت : لأنك رزقت مثلي فشكرت ورزقت مثلك فصبرت والجنة موعودة للشاكرين والصابرين ﴿ وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَآءِ ﴾ [النساء : ١٢٩] ولن تستطيعوا العدل بين النساء والتسوية حتى لا يقع ميل البتة، فتمام العدل أن يسوى بينهن بالقسمة والنفقة والتعهد والنظر والإقبال والمحالمة والمفاكهة وغيرها.
وقيل : معناه أن تعدلوا في المحبة وكان عليه السلام يقسم بين نسائه فيعدل ويقول :" هذه قسمتي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك " يعني المحبة لأن عائشة رضي الله عنها كانت أحب إليه.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٦٨