﴿ وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَـابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ﴾ [النساء : ١٥٩] " ليؤمنن به " جملة قسمية واقعة صفة لموصوف محذوف تقديره : وإن من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن به ونحوه ﴿ وَمَا مِنَّآ إِلا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ ﴾ [الصافات : ١٦٤] (الصافات : ٤٦١) والمعنى : وما من اليهود والنصارى أحد إلا ليؤمنن قبل موته بعيسى عليه السلام وبأنه عبد الله ورسوله يعني إذا عاين قبل أن تزهق روحه حين لا ينفعه إيمانه لانقطاع وقت التكليف.
أو الضمير إن لعيسى يعني وإن منهم أحد إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى وهم أهل الكتاب الذين يكونون في زمان نزوله.
روي أنه ينزل من السماء في آخر الزمان فلا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا يؤمن به حتى تكون الملة واحدة وهي ملة الإسلام، أو الضمير " في به " يرجع إلى الله أو إلى محمد صلى الله عليه وسلّم والثاني إلى الكتابي ﴿ وَيَوْمَ الْقِيَـامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ﴾ [النساء : ١٥٩] يشهد على اليهود بأنهم كذبوه وعلى النصارى بأنهم دعوه ابن الله ﴿ فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَـاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ﴾ [النساء : ١٦٠] وهي ما ذكر في سورة الأنعام ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِى ظُفُرٍ ﴾ [الأنعام : ١٤٦] (الأنعام : ٦٤١) الآية.
والمعنى ما حرمنا عليهم الطيبات إلا لظلم عظيم ارتكبوه وهو ما عدد قبل هذا ﴿ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [النساء : ١٦٠] وبمنعهم عن الإيمان ﴿ كَثِيرًا ﴾ أي خلقاً كثيراً أو صداً كثيراً ﴿ وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ ﴾ كان الربا محرماً عليهم كما حرم علينا وكانوا يتعاطونه ﴿ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَـاطِلِ ﴾ [النساء : ١٦١] بالرشوة وسائر الوجوه المحرمة ﴿ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَـافِرِينَ مِنْهُمْ ﴾ [النساء : ١٦١] دون من آمن ﴿ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [النساء : ١٨] في الآخرة
٣٨١
﴿ لَّـاكِنِ الرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ ﴾ [النساء : ١٦٢] أي الثابتون فيه المتقون كابن سلام وأضرابه ﴿ مِّنْهُمْ ﴾ من أهل الكتاب ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ أي المؤمنون منهم والمؤمنون من المهاجرين والأنصار.
وارتفع " الراسخون " على الابتداء ﴿ يُؤْمِنُونَ ﴾ خبره ﴿ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ ﴾ [النساء : ١٦٦] أي القرآن ﴿ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ﴾ [النساء : ١٦٢] أي سائر الكتب ﴿ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَواةَ ﴾ [النساء : ١٦٢] منصوب على المدح لبيان فضل الصلاة، وفي مصحف عبد الله " والمقيمون " وهي قراءة مالك بن دينار وغيره ﴿ وَالْمُؤْتُونَ الزكاة ﴾ [النساء : ١٦٢] مبتدأ ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاخِرِ ﴾ [النساء : ١٦٢] عطف عليه والخبر ﴿ أُوالَـائِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء : ١٦٢] وبالياء : حمزة.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٨١
﴿ إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ ﴾ [النساء : ١٦٣] جواب لأهل الكتاب عن سؤالهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن ينزل عليهم كتاباً من السماء، واحتجاج عليهم بأن شأنه في الوحي إليه كشأن سائر الأنبياء الذين سلفوا ﴿ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّـانَ مِن بَعْدِهِ ﴾ [النساء : ١٦٣] كهود وصالح وشعيب وغيرهم.
﴿ وَأَوْحَيْنَآ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَـاعِيلَ وَإِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ وَالاسْبَاطِ ﴾ أي أولاد يعقوب ﴿ زَبُورًا ﴾ " زبوراً " : حمزة مصدر بمعنى مفعول سمي به الكتاب المنزل على داود عليه السلام ﴿ وَرُسُلا ﴾ نصب بمضمر في معنى أوحينا إليك وهو أرسلنا ونبأنا ﴿ قَدْ قَصَصْنَـاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ ﴾ [النساء : ١٦٤] من قبل هذه السورة ﴿ وَرُسُلا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ﴾ [النساء : ١٦٤] سأل أبو ذر رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن الأنبياء قال " مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً " قال : كم الرسل منهم؟ قال :" ثلثمائة وثلاثة عشر أول الرسل آدم وآخرهم نبيكم محمد ـ عليه السلام ـ وأربعة من العرب هود وصالح وشعيب ومحمد ـ عليه السلام ـ " والآية تدل على أن معرفة الرسل بأعيانهم
٣٨٢
ليست بشرط لصحة الإيمان بل من شرطه أن يؤمن بهم جميعاً إذ لو كان معرفة كل واحد منهم شرطاً لقص علينا كل ذلك ﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾ [النساء : ١٦٤] أي بلا واسطة.