التامة والإسلام المنعوت بالرضا دون غيره من الملل ومعناه، فمن اضطر إلى الميتة أو إلى غيرها ﴿ فِى مَخْمَصَةٍ ﴾ [المائدة : ٣] مجاعة ﴿ غَيْرَ ﴾ حال ﴿ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ﴾ [المائدة : ٣] مائل إلى إثم أي غير متجاوز سد الرمق ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ﴾ [البقرة : ١٩٢] لا يؤاخذه بذلك ﴿ رَّحِيمٌ ﴾ بإباحة المحظور للمعذور.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٨٩
﴿ يَسْـاَلُونَكَ ﴾ في السؤال معنى القول فلذا وقع بعده ﴿ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ ﴾ [المائدة : ٤] كأنه قيل : يقولون لك ماذا أحل لهم.
وإنما لم يقل " ماذا أحل لنا " حكاية لما قالوا، لأن " يسألونك " بلفظ الغيبة كقولك " أقسم زيد ليفعلن " ولو قيل " لأفعلن " وأحل لنا لكان صواباً.
و " ماذا " مبتدأ و " أحل لهم " خبره كقولك " أي شيء أحل لهم " ومعناه ماذا أحل لهم من المطاعم كأنهم حين تلي عليهم ما حرم عليه من خبيثات المآكل سألوا عما أحل لهم منها فقال :﴿ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَـاتُ ﴾ [المائدة : ٤] أي ما ليس بخبيث منها أو هو كل ما لم يأت تحريمه في كتاب الله أو سنة أو إجماع أو قياس ﴿ وَمَا عَلَّمْتُم ﴾ [المائدة : ٤] عطف على " الطيبات " أي أحل لكم الطيبات وصيد ما علمتم فحذف المضاف، أو تجعل " ما " شرطية وجوابها " فكلوا " ﴿ مِّنَ الْجَوَارِحِ ﴾ [المائدة : ٤] أي الكواسب للصيد من سباع البهائم والطير كالكلب والفهد والعقاب والصقر والبازي والشاهين، وقيل : هي من الجراحة فيشترط للحل الجرح ﴿ مُكَلِّبِينَ ﴾ حال من " علمتم ".
وفائدة هذه الحال مع أنه استغنى عنها بـ " علمتم " أن يكون من يعلم الجوارح موصوفاً بالتكليب، والمكلب مؤدب الجوارح ومعلمها مشتق من الكلب، لأن التأديب في الكلاب أكثر فاشتق من لفظه لكثرته في جنسه، أو لأن السبع يسمى كلباً ومنه الحديث " اللهم سلط عليه كلباً من كلابك " فأكله الأسد.
﴿ تُعَلِّمُونَهُنَّ ﴾ حال أو استئناف ولا موضع له.
وفيه دليل على أن على كل آخذ علماً أن لا يأخذه إلا من أقتل أهله علماً وأنحرهم دراية، فكم من آخذ عن غير متقن قد ضيع أيامه وعض عند لقاء النحارير أنامله.
﴿ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ ﴾ [المائدة : ٤] من التكليب ﴿ فَكُلُوا مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ﴾ [المائدة : ٤] الإمساك على صاحبه أن لا يأكل منه فإن أكل منه لم يؤكل إذا كان صيد كلب ونحوه، فأما صيد البازي ونحوه فأكله لا يحرمه وقد عرف في موضعه.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٩٣
والضمير في ﴿ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ﴾ [المائدة : ٤] يرجع إلى ما أمسكن على معنى وسموا
٣٩٣
عليه إذا أدركتم ذكاته، أو إلى ما علمتم من الجوارح أي سموا عليه عند إرساله ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [المائدة : ٨٨] واحذروا مخالفة أمره في هذا كله ﴿ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [آل عمران : ١٩٩] إنه محاسبكم على أفعالكم ولا يلحقه فيه لبث.
﴿ الْيَوْمَ ﴾ الآن ﴿ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَـاتُ ﴾ [المائدة : ٥] كرره تأكيداً للمنة ﴿ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ حِلٌّ لَّكُمْ ﴾ [المائدة : ٥] أي ذبائحهم لأن سائر الأطعمة لا يختص حلها بالملة ﴿ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ﴾ [المائدة : ٥] فلا جناح عليكم أن تطعموهم لأنه لوكان حراماً عليهم طعام المؤمنين لما ساغ لهم إطعامهم ﴿ وَالْمُحْصَنَـاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَـاتِ ﴾ [المائدة : ٥] هن الحرائر أو العفائف، وليس هذا بشرط لصحة النكاح بل هو للاستحباب لأنه يصح نكاح الإماء من المسلمات ونكاح غير العفائف.
وتخصيصهن بعث على تخير المؤمنين لنطفهم وهو معطوف على " الطيبات " أو مبتدأ والخبر محذوف أي والمحصنات من المؤمنات حل لكم ﴿ وَالْمُحْصَنَـاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ مِن قَبْلِكُمْ ﴾ [المائدة : ٥] هن الحرائر الكتابيات أو العفائف الكتابيات ﴿ إِذَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾ [المائدة : ٥] أعطيتموهن مهورهن ﴿ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَـافِحِينَ ﴾ [النساء : ٢٤] متزوجين غير زانين ﴿ وَلا مُتَّخِذِى أَخْدَانٍ ﴾ [المائدة : ٥] صدائق والخدن يقع على الذكر والأنثى ﴿ وَمَن يَكْفُرْ بِالايمَـانِ ﴾ [المائدة : ٥] بشرائع الإسلام وما أحل الله وحرم ﴿ فَقَدْ حَبِطَ ﴾ [المائدة : ٥] بطل ﴿ عَمَلُهُ وَهُوَ فِى الاخِرَةِ مِنَ الْخَـاسِرِينَ ﴾ [المائدة : ٥].
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٩٣