﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَواةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ﴾ أي إذا أردتم القيام إلى الصلاة كقوله ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ ﴾ [النحل : ٩٨] (النحل : ٨٩) أي إذا أردت أن تقرأ القرآن،
٣٩٤
فعبر عن إرادة الفعل بالفعل لأن الفعل مسبب عن الإرادة فأقيم المسبب مقام السبب لملابسة بينهما طلباً للإيجاز، ونحوه " كما تدين تدان " عبر عن الفعل الابتدائي الذي هو سبب الجزاء بلفظ الجزاء الذي هو مسبب عنه، وتقديره : وأنتم محدثون.
عن ابن عباس رضي الله عنهما : أو من النوم لأنه دليل الحدث : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم والصحابة يتوضأون لكل صلاة.
وقيل : كان الوضوء لكل صلاة واجباً أول ما فرض ثم نسخ
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٩٤
﴿ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ﴾ [المائدة : ٦] " إلى " تفيد معنى الغاية مطلقاً، فأما دخولها في الحكم وخروجها فأمر يدور مع الدليل فما فيه دليل على الخروج ﴿ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ﴾ [البقرة : ٢٨٠] (القرة : ٠٨٢) لأن الإعسار علة الإنظار وبوجود الميسرة تزول العلة، ولو دخلت الميسرة فيه لكان منظراً في الحالتين معسراً وموسراً.
وكذلك ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ ﴾ [البقرة : ١٨٧] (البقرة : ٧٨١) لو دخل الليل لوجب الوصال.
ومما فيه دليل على الدخول قولك " حفظت القرآن من أوله إلى آخره " لأن الكلام مسوق لحفظ القرآن كله، ومنه قوله تعالى :﴿ مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الاقْصَا ﴾ [الإسراء : ١] (الإسراء : ١) لوقوع العلم بأنه عليه السلام لا يسرى به إلى بيت المقدس من غير أن يدخله، وقوله " إلى المرافق " لا دليل فيه على أحد الأمرين فأخذ الجمهور بالاحتياط، فحكموا بدخولها في الغسل، وأخذ زفر وداود بالمتيقن فلم يدخلاها.
وعن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه كان يدير الماء على مرفقيه ﴿ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ﴾ [المائدة : ٦] المراد إلصاق المسح بالرأس، وماسح بعضه ومستوعبه بالمسح كلاهما ملصق للمسح برأسه ؛ فأخذ مالك بالاحتياط فأوجب الاستيعاب، والشافعي باليقين فأوجب أقل ما يقع عليه اسم المسح، وأخذنا ببيان النبي عليه السلام وهو ما روي أنه مسح على ناصيته وقدرت الناصية بربع الرأس ﴿ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ﴾ [المائدة : ٦] بالنصب : شامي ونافع وعلي وحفص.
والمعنى : فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا برؤوسكم على التقديم والتأخير.
غيرهم بالجر بالعطف على الرؤوس لأن الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة، تغسل بصب الماء عليها فكانت مظنة للإسراف المنهي عنه فعطفت على الممسوح لا لتمسح ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها.
وقيل :" إلى الكعبين " فجيء بالغاية إماطة لظن ظانٍ يحسبها ممسوحة
٣٩٥
لأن المسح لم تضرب له غاية في الشريعة، وقال في جامع العلوم إنها مجرورة للجوار وقد صح أن النبي عليه السلام رأى قوماً يمسحون على أرجلهم فقال :" ويل للأعقاب من النار " وعن عطاء : والله ما علمت أن أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم مسح على القدمين وإنما أمر بغسل هذه الأعضاء ليطهرها من الأوساخ التي تتصل بها لأنها تبدو كثيرا، والصلاة خدمة الله تعالى، والقيام بين يديه متطهراً من الأوساخ أقرب إلى التعظيم فكان أكمل في الخدمة كما في الشاهد إذا أراد أن يقوم بين يدي الملك، ولهذا قيل : إن الأولى أن يصلي الرجل في أحسن ثيابه، وإن الصلاة متعمماً أفضل من الصلاة مكشوف الرأس لما أن ذلك أبلغ في التعظيم ﴿ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ﴾ [المائدة : ٦] فاغسلوا أبدانكم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٩٤


الصفحة التالية
Icon