﴿ نَقِيبًا ﴾ هو الذي ينقب عن أحوال القوم ويفتش عنها.
ولما استقر بنو إسرائيل بمصر بعد هلاك فرعون أمرهم الله بالمسير إلى أريحا أرض الشام وكان يسكنها الكنعانيون الجبابرة وقال لهم : إني كتبتها لكم داراً وقراراً فاخرجوا إليها وجاهدوا من فيها وإني ناصركم، وأمر الله موسى عليه السلام أن يأخذ من كل سبط نقيباً يكون كفيلاً على قومه بالوفاء بما أمروا به توثقة عليهم، فاختار النقباء وأخذ الميثاق على بني إسرائيل وتكفل لهم به النقباء وسار بهم، فلما دنا من أرض كنعان بعث النقباء يتجسسون فرأوا أجراماً عظيمة وقوة وشوكة فهابوا ورجعوا فحدثوا قومهم وقد نهاهم أن يحدثوهم فنكثوا الميثاق إلا كالب بن يوقنا ويوشع بن نون وكانا من النقباء ﴿ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّى مَعَكُمْ ﴾ [المائدة : ١٢] أي ناصركم ومعينكم.
وتقف هنا لابتدائك بالشرط الداخل عليه اللام الموطئة للقسم وهو ﴿ لَـاـاِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَواةَ وَءَاتَيْتُمُ الزكاة ﴾ وكانتا فريضتين عليهم ﴿ وَلَقَدْ أَخَذَ ﴾ [المائدة : ١٢] من غير تفريق بين أحد منهم ﴿ وَعَزَّرْتُمُوهُمْ ﴾ وعظمتموهم أو نصرتموهم بأن تردّوا عنهم أعداءهم، والعزر في اللغة الردّ ويقال عزرت فلاناً أي أدّبته يعني فعلت به ما يردعه عن القبيح كذا قاله الزجاج ﴿ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ﴾ [المائدة : ١٢] بلا منّ وقيل : هو كل خير.
واللام في ﴿ لاكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّـاَاتِكُمْ ﴾ [المائدة : ١٢] جواب للقسم وهذا الجواب
٣٩٨
سادّ مسد جواب القسم والشرط جميعاً ﴿ مِّنكُمْ ﴾ أي بعد ذلك الشرط المؤكد المتعلق بالوعد العظيم ﴿ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السَّبِيلِ ﴾ [البقرة : ١٠٨] أخطأ طريق الحق، نعم من كفر قبل ذلك فقد ضل سواء السبيل أيضاً ولكن الضلال بعده أظهر وأعظم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٩٨
﴿ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَـاقَهُمْ ﴾ [المائدة : ١٣] " ما " مزيد لإفادة تفخيم الأمر ﴿ لَعَنَّـاهُمْ ﴾ طردناهم وأخرجناهم من رحمتنا أو مسخناهم أو ضربنا عليهم الجزية ﴿ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ﴾ [المائدة : ١٣] يابسة لا رحمة فيها ولا لين.
" قسيّة " : حمزة وعلي أي رديئة من قولهم :" درهم قسي " أي رديء ﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ﴾ [المائدة : ١٣] يفسرونه على غير ما أنزل وهو بيان لقسوة قلوبهم لأنه لا قسوة أشد من الافتراء على الله وتغيير وحيه ﴿ وَنَسُوا حَظًّا ﴾ [المائدة : ١٣] وتركوا نصيباً جزيلاً وقسطاً وافياً ﴿ مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾ [المائدة : ١٤] من التوراة يعني أن تركهم وإعراضهم عن التوراة إغفال حظ عظيم، أو قست قلوبهم وفسدت فحرفوا التوراة وزلت أشياء منها عن حفظهم.
عن ابن مسعود رضي الله عنه : قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية وتلا هذه الآية.
وقيل : تركوا نصيب أنفسهم مما أمروا به من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلّم وبيان نعته ﴿ وَلا تَزَالُ ﴾ [المائدة : ١٣] يا محمد ﴿ تَطَّلِعُ عَلَى خَآ ـاِنَةٍ مِّنْهُمْ ﴾ [المائدة : ١٣] أي هذه عادتهم وكان عليها أسلافهم، كانوا يخونون الرسل وهؤلاء يخونونك ويهمون بالفتك بك، وقوله " على خائنة " أي على خيانة أو على فعلة ذات خيانة أو على نفس أو فرقة خائنة، ويقال :" رجل خائنة " كقولهم " رجل راوية للشعر " للمبالغة.
﴿ إِلا قَلِيلا مِّنْهُمْ ﴾ [المائدة : ١٣] وهم الذين آمنوا منهم ﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ ﴾ [آل عمران : ١٥٩] بعث على مخالفتهم، أو فاعف عن مؤمنيهم ولا تؤاخذهم بما سلف منهم ﴿ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المائدة : ١٣]
﴿ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَـارَى أَخَذْنَا مِيثَـاقَهُمْ ﴾ [المائدة : ١٤]
٣٩٩


الصفحة التالية
Icon