﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ﴾ [المائدة : ١٨] أي فإن صح أنكم أبناء الله وأحباؤه فلم تعذبون بذنوبكم بالمسخ والنار أياماً معدودة على زعمكم، وهل يمسخ الأب ولده وهل يعذب الولد ولده بالنار؟ ثم قال رداً عليهم ﴿ بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ ﴾ [المائدة : ١٨] أي أنتم خلق من خلقه لا بنوه ﴿ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ ﴾ [آل عمران : ١٢٩] لمن تاب عن الكفر فضلاً ﴿ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ ﴾ [البقرة : ٢٨٤] من مات عليه عدلاً ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ فيه تنبيه على عبودية المسيح لأن الملك والبنوة متنافيان.
﴿ يَصْنَعُونَ * يَـا أَهْلَ الْكِتَـابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا ﴾ محمد عليه السلام ﴿ يُبَيِّنُ لَكُمْ ﴾ [المائدة : ١٩] أي الشرائع وحذف لظهوره، أو ما كنتم تخفون وحذف لتقدم ذكره أو لا يقدر المبين ويكون المعنى يبذل لكم البيان وهو حال أي مبيناً لكم ﴿ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ ﴾ [المائدة : ١٩] متعلق بـ " جاءكم " أي جاءكم على حين فتور من إرسال الرسل وانقطاع من الوحي، وكان بين عيسى ومحمد عليهما السلام ستمائة سنة أو خمسمائة سنة وستون سنة ﴿ أَن تَقُولُوا ﴾ [الأنعام : ١٥٦] كراهة أن تقولوا ﴿ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ ﴾ [المائدة : ١٩] والفاء في ﴿ فَقَدْ جَآءَكُم ﴾ [المائدة : ١٩] متعلق بمحذوف أي لا تعتذروا فقد جاءكم ﴿ بَشِيرٍ ﴾ للمؤمنين ﴿ وَنَذِيرٌ ﴾ للكافرين، والمعنى الامتنان عليهم بأن الرسول بعث إليهم حتى انطمست آثار الوحي أحوج ما يكونون إليه ليهشوا إليه ويعدوه أعظم نعمة من الله وتلزمهم الحجة فلا يعتلوا غداً بأنه لم يرسل إليهم من ينبههم من غفلتهم ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة : ٢٨٤] فكان قادراً على إرسال محمد عليه السلام ضرورة.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٩٨
﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَـاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنابِيَآءَ ﴾ [المائدة : ٢٠] لأنه لم يبعث في أمة ما بعث في بني إسرائيل من الأنبياء ﴿ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا ﴾ [المائدة : ٢٠] لأنه ملكهم بعد فرعون ملكه وبعد الجبابرة ملكهم، ولأن الملوك تكاثروا فيهم تكاثر الأنبياء.
وقيل : الملك من له مسكن واسع فيه ماء جار وكانت منازلهم واسعة فيها مياه جارية.
وقيل : من له بيت وخدم، أو لأنهم كانوا مملوكين في أيدي القبط فأنقذهم الله
٤٠٢
فسمي إنقاذهم ملكاً ﴿ وَءَاتَـاـاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَـالَمِينَ ﴾ من فلق البحر وإغراق العدو وإنزال المن والسلوى وتظليل الغمام ونحو ذلك من الأمور العظام أو أراد عالمي زمانهم ﴿ يَـاقَوْمِ ادْخُلُوا الارْضَ الْمُقَدَّسَةَ ﴾ [المائدة : ٢١] أي المطهرة أو المباركة وهي أرض بيت المقدس أو الشام ﴿ الَّتِى كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ [المائدة : ٢١] قسمها لكم أو سماها أو كتب في اللوح المحفوظ أنها مساكن لكم ﴿ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ ﴾ [المائدة : ٢١] ولا ترجعوا على أعقابكم مدبرين منهزمين من خوف الجبابرة جبناً أو لا ترتدوا على أدباركم في دينكم ﴿ فَتَنقَلِبُوا خَـاسِرِينَ ﴾ [آل عمران : ١٤٩] فترجعوا خاسرين ثواب الدنيا والآخرة.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٠٢