﴿ قَالُوا يَـامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ ﴾ [المائدة : ٢٢] الجبار فعال من جبره على الأمر بمعنى أجبره عليه وهو العاتي الذي يجبر الناس على ما يريد ﴿ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا ﴾ [المائدة : ٢٢] بالقتال ﴿ حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا ﴾ [المائدة : ٢٢] بغير قتال ﴿ فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا ﴾ [المائدة : ٢٢] بلا قتال ﴿ فَإِنَّا دَاخِلُونَ ﴾ [المائدة : ٢٢] بلادهم حينئذ ﴿ قَالَ رَجُلانِ ﴾ [المائدة : ٢٣] كالب ويوشع من الّذين يخافون } الله ويخشونه كأنه قيل رجلان من المتقين وهو في محل الرفع صفة لـ " رجلان " وكذا ﴿ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ﴾ [المائدة : ٢٣] بالخوف منه ﴿ ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ ﴾ [المائدة : ٢٣] أي باب المدينة ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَـالِبُونَ ﴾ [المائدة : ٢٣] أي انهزموا وكانت الغلبة لكم، وإنما علما ذلك بإخبار موسى عليه السلام ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة : ٢٣] إذ الإيمان به يقتضي التوكل عليه وهو قطع العلائق وترك التملق للخلائق ﴿ قَالُوا يَـامُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَآ ﴾ [المائدة : ٢٤] هذا نفي لدخولهم في المستقبل على وجه التوكيد ﴿ أَبَدًا ﴾ تعليق للنفي المؤكد بالدهر المتطاول ﴿ مَّا دَامُوا فِيهَا ﴾ [المائدة : ٢٤] بيان للأبد ﴿ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ ﴾ [المائدة : ٢٤] من العلماء من حمله على الظاهر.
وقال : إنه كفر منهم وليس
٤٠٣
كذلك إذ لو قالوا ذلك اعتقاداً وكفروا به لحاربهم موسى ولم تكن مقاتلة الجبارين أولى من مقاتلة هؤلاء، ولكن الوجه فيه أن يقال : فاذهب أنت وربك يعينك على قتالك، أو وربك أي وسيدك وهو أخوك الأكبر هارون، أو لم يرد به حقيقة الذهاب ولكن كما تقول " كلمته فذهب يجيبني " تريد معنى الإرادة كأنهم قالوا أريدا قتالهم :﴿ فَقَـاتِلا إِنَّا هَـاهُنَا قَـاعِدُونَ ﴾ [المائدة : ٢٤] ماكثون لا نقاتلهم لنصرة دينكم فلما عصوه وخالفوه ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّى لا أَمْلِكُ ﴾ [المائدة : ٢٥] لنصرة دينك ﴿ إِلا نَفْسِى وَأَخِى ﴾ [المائدة : ٢٥] وهو منصوب بالعطف على " نفسي " أو على اسم " إن " أي إني لا أملك إلا نفسي وإن أخي لا يملك إلا نفسه، أو مرفوع بالعطف على محل " إن " واسمها، أو على الضمير في " لا أملك " وجاز للفصل أي ولا يملك أخي إلا نفسه، أو هو مبتدأ والخبر محذوف أي وأخي كذلك، وهذا من البث والشكوى إلى الله ورقة القلب التي بمثلها تستجلب الرحمة وتستنزل النصرة وكأنه لم يثق بالرجلين المذكورين كل الوثوق فلم يذكر إلا النبي المعصوم، أو أراد ومن يؤاخيني على ديني ﴿ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَـاسِقِينَ ﴾ [المائدة : ٢٥] فافصل بيننا وبينهم بأن تحكم لنا بما وعدتنا وتحكم عليهم بما هم أهله وهو في معنى الدعاء عليهم، أو فباعد بيننا وبينهم وخلصنا من صحبتهم كقوله :﴿ وَنَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّـالِمِينَ ﴾ [التحريم : ١١] (التحريم : ١١).
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٠٢
﴿ قَالَ فَإِنَّهَا ﴾ [المائدة : ٢٦] أي الأرض المقدسة ﴿ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ﴾ [المائدة : ٢٦] لا يدخلونها وهو تحريم منع لا تحريم تعبد كقوله ﴿ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ ﴾ [القصص : ١٢] (القصص : ٢١).
والمراد بقوله " كتب الله لكم " أي بشرط أن تجاهدوا أهلها فلما أبوا الجهاد قيل : فإنها محرمة عليهم، أو المراد فإنها محرمة عليهم :﴿ أَرْبَعِينَ سَنَةً ﴾ [الأحقاف : ١٥] فإذا مضى الأربعون كان ما كتب فقد سار موسى عليه السلام بمن بقي من بني إسرائيل وكان يوشع على مقدمته ففتحها وأقام فيها ما شاء الله ثم قبض.
و " أربعين " ظرف التحريم والوقف على سنة أو ظرف ﴿ يَتِيهُونَ فِى الارْضِ ﴾ [المائدة : ٢٦] أي يسيرون فيها متحيرين لا يهتدون طريقاً أربعين سنة والوقف على " عليهم ".
وإنما عوقبوا بالحبس لاختيارهم المكث فكانوا مع شدة سيرهم يصبحون حيث أمسوا ويمسون حيث أصبحوا في ستة فراسخ.
ولما ندم على
٤٠٤


الصفحة التالية
Icon