الدعاء عليهم قيل له :﴿ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَـاسِقِينَ ﴾ [المائدة : ٢٦] فلا تحزن عليهم لأنهم فاسقون.
قيل : لم يكن موسى وهارون معهم في التيه لأنه كان عقاباً وقد سأل موسى ربه أنه يفرق بينهما وبينهم.
وقيل : كانا معهم إلا أنه كان ذلك روحاً لهما وسلاماً لا عقوبة.
ومات هارون في التيه، وموسى فيه بعده بسنة، ومات النقباء في التيه إلا كالب ويوشع.
ثم أمر الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلّم أن يقص على حاسديه ما جرى بسبب الحسد ليتركوه ويؤمنوا بقوله :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٠٢
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٠٥
﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ ﴾ [الشعراء : ٦٩] على أهل الكتاب ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ﴾ [المائدة : ٢٧] من صلبه هابيل وقابيل، أو هما رجلان من بني إسرائيل ﴿ بِالْحَقِّ ﴾ نبأ ملتبساً بالصدق موافقاً لما في كتب الأولين، أو تلاوة ملتبسة بالصدق والصحة، أو واتل عليهم وأنت محق صادق ﴿ إِذْ قَرَّبَا ﴾ [المائدة : ٢٧] نصب بالنبأ أي قصتهما وحديثهما في ذلك الوقت، أو بدل من النبأ أي اتل عليهم النبأ نبأ ذلك الوقت على تقدير حذف المضاف ﴿ قُرْبَانًا ﴾ ما يتقرب به إلى الله من نسيكة أو صدقة.
يقال : قرب صدقة وتقرب بها لأن تقرب مطاوع قرب، والمعنى إذ قرب كل واحد منهما قربانه دليله ﴿ فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا ﴾ [المائدة : ٢٧] قربانه وهو هابيل ﴿ وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الاخَرِ ﴾ [المائدة : ٢٧] قربانه وهو قابيل.
روي أنه أوحى الله تعالى إلى آدم أن يزوج كل واحد منهما توأمة الآخر، وكانت توأمة قابيل أجمل واسمها إقليما فحسده عليها أخوه وسخط فقال لهما آدم : قربا قرباناً فمن أيكما قبل يتزوجها فقبل قربان هابيل بأن نزلت نار فأكلته فازداد قابيل حسداً وسخطاً وتوعده بالقتل وهو قوله ﴿ قَالَ لاقْتُلَنَّكَ ﴾ [المائدة : ٢٧] أي قال لهابيل ﴿ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة : ٢٧] وتقديره : قال لم تقتلني : ؟ قال : لأن الله قبل قربانك ولم يقبل قرباني.
فقال : إنما يتقبل الله من المتقين وأنت غير متق فإنما أوتيت من قبل نفسك لانسلاخها من لباس التقوى لا من قبلي.
وعن عامر بن عبد الله أنه بكى حين حضرته الوفاة فقيل له : ما يبكيك وقد كنت وكنت؟
٤٠٥
قال : إني أسمع الله يقول :" إنما يتقبل الله من المتقين ".
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٠٥
﴿ لَـاـاِن بَسَطتَ ﴾ [المائدة : ٢٨] مددت ﴿ إِلَىَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِى مَآ أَنَا بِبَاسِطٍ ﴾ [المائدة : ٢٨] بماد ﴿ يَدِىَ ﴾ مدني وأبو عمرو وحفص ﴿ إِلَيْكَ لاقْتُلَكَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَـالَمِينَ ﴾ [المائدة : ٢٨] قيل : كان أقوى من القاتل وأبطش منه ولكن تحرج عن قتل أخيه واستسلم له خوفاً من الله تعالى لأن الدفع لم يكن مباحاً في ذلك الوقت، وقيل : بل كان ذلك واجباً فإن فيه إهلاك نفسه ومشاركة للقاتل في إثمه، وإنما معناه ما أنا بباسط يدي إليك مبتدئاً كقصدك ذلك مني، وكان هابيل عازماً على مدافعته إذا قصد قتله وإنما قتله فتكاً على غفلة منه.
" إنّي أخاف " : حجازي وأبو عمرو ﴿ إِنِّى أُرِيدُ ﴾ [القصص : ٢٧] " إنّي " مدني ﴿ أَن تَبُواأَ ﴾ [المائدة : ٢٩] أن تحتمل أو ترجع ﴿ بِإِثْمِى ﴾ بإثم قتلي إذا قتلتني ﴿ وَإِثْمِكَ ﴾ الذي لأجله لم يتقبل قربانك وهو عقوق الأب والحسد والحقد، وإنما أراد ذلك لكفره برده قضية الله تعالى أو كان ظالماً وجزاء الظالم جائز أن يراد ﴿ أَخِيهِ ﴾ فوسعته ويسرته من طاع له المرتع إذا اتسع ﴿ فَقَتَلَهُ ﴾ عند عقبة حراء أو بالبصرة والمقتول ابن عشرين سنة ﴿ وَءَاتَـاـاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَـالَمِينَ ﴾ أي الله أو التراب ﴿ كَيْفَ يُوَارِى سَوْءَةَ أَخِيهِ ﴾ عورة أخيه وما لا يجوز أن ينكشف من جسده.
روي أنه أول قتيل قتل على وجه الأرض من بني آدم، ولما قتله تركه بالعراء لا يدري ما يصنع به فخاف عليه
٤٠٦