السباع فحمله في جراب على ظهره سنة حتى أروح وعكفت عليه السباع، فبعث الله غرابين فاقتتلا فقتل أحدهما الآخر فحفر له بمنقاره ورجليه ثم ألقاه في الحفرة فحينئذ ﴿ قَالَ ﴾ عطف على " أكون " ﴿ فَأُوَارِىَ سَوْءَةَ أَخِى فَأَصْبَحَ مِنَ النَّـادِمِينَ ﴾ [المائدة : ٣١] على قتله لما تعب فيه من حمله وتحيره في أمره ولم يندم ندم التائبين، أو كان الندم توبة لنا خاصة أو على حمله لا على قتله.
وروي أنه لما قتله أسود جسده وكان أبيض فسأله آدم عن أخيه فقال : ما كنت عليه وكيلاً.
فقال : بل قتلته ولذا اسود جسدك.
فالسودان من ولده.
وما روي أن آدم رثاه بشعر فلا يصح لأن الأنبياء عليهم السلام معصومون من الشعر.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٠٥
﴿ مِنْ أَجْلِ ذَالِكَ ﴾ [المائدة : ٣٢] بسبب ذلك وبعلته " وذلك " إشارة إلى القتل المذكور.
قيل : هو متصل بالآية الأولى فيوقف على " ذلك " أي فأصبح من النادمين لأجل حمله ولأجل قتله.
وقيل : هو مستأنف والوقف على " النادمين " و " من " يتعلق بـ " كتبنا " لا بـ " النادمين " ﴿ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْرَاءِيلَ ﴾ خصهم بالذكر وإن اشترك الكل في ذلك لأن التوراة أول كتاب فيه الأحكام ﴿ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسَا ﴾ [المائدة : ٣٢] الضمير للشأن و " من " شرطية ﴿ بِغَيْرِ نَفْسٍ ﴾ [المائدة : ٣٢] بغير قتل نفس ﴿ أَوْ فَسَادٍ فِى الارْضِ ﴾ [المائدة : ٣٢] عطف على " نفس " أي بغير فساد في الأرض وهو الشرك، أو قطع الطريق وكل فساد يوجب القتل ﴿ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ [المائدة : ٣٢] أي في الذنب.
عن الحسن : لأن قاتل النفس جزاؤه جهنم وغضب الله عليه والعذاب العظيم، ولو قتل الناس جميعاً لم يزد على ذلك ﴿ وَمَنْ أَحْيَاهَا ﴾ [المائدة : ٣٢] ومن استنقذها من أسباب الهلكة من قتل أو غرق أو حرق أو هدم أو غير ذلك ﴿ فَكَأَنَّمَآ أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ [المائدة : ٣٢] جعل قتل الواحد كقتل الجميع، وكذلك الإحياء ترغيباً وترهيباً لأن المتعرض لقتل النفس إذا تصور أن قتلها كقتل الناس جميعاً عظم ذلك عليه فثبطه، وكذا الذي أراد إحياءها إذا تصور أن حكمه حكم جميع الناس رغب في إحيائها ﴿ وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ ﴾ [المائدة : ٣٢] أي بني إسرائيل ﴿ رُسُلُنَا ﴾ " رسلنا " : أبو عمرو ﴿ بِالْبَيِّنَـاتِ ﴾ بالآيات الواضحات ﴿ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَالِكَ ﴾ [المائدة : ٣٢] بعدما كتبنا عليهم أو بعد مجيء الرسل بالآيات ﴿ فِى الارْضِ لَمُسْرِفُونَ ﴾ [المائدة : ٣٢] في القتل لا يبالون بعظمته.
٤٠٧
﴿ إِنَّمَا جَزَاؤُا الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ أي أولياء الله في الحديث " يقول الله تعالى : من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة " ﴿ وَيَسْعَوْنَ فِى الارْضِ فَسَادًا ﴾ [المائدة : ٣٣] مفسدين، ويجوز أن يكون مفعولاً له أي للفساد وخبر " جزاء " ﴿ أَن يُقَتَّلُوا ﴾ [المائدة : ٣٣] وما عطف عليه وأفاد التشديد الواحد بعد الواحد ومعناه أن يقتلوا من غير صلب إن أفردوا القتل ﴿ أَوْ يُصَلَّبُوا ﴾ [المائدة : ٣٣] مع القتل إن جمعوا بين القتل وأخذ المال ﴿ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم ﴾ [المائدة : ٣٣] إن أخذوا المال ﴿ مِّنْ خِلَـافٍ ﴾ [المائدة : ٣٣] حال من الأيدي والأرجل أي مختلفة ﴿ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الارْضِ ﴾ [المائدة : ٣٣] بالحبس إذا لم يزيدوا على الإخافة ﴿ ذَالِكَ ﴾ المذكور ﴿ لَهُمْ خِزْىٌ فِى الدُّنْيَا ﴾ [المائدة : ٣٣] ذل وفضيحة ﴿ عَلَيْهِمْ ﴾ فتسقط عنهم هذه الحدود لا ما هو حق العباد ﴿ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [المائدة : ٣٤] يغفر لهم بالتوبة ويرحمهم فلا يعذبهم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٠٥
﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [البقرة : ٢٧٨] فلا تؤذوا عباد الله ﴿ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ﴾ [المائدة : ٣٥] هي كل ما يتوسل به أي يتقرب من قرابة أو صنيعة أو غير ذلك، فاستعيرت لما يتوسل به إلى الله تعالى من فعل الطاعات وترك السيئات ﴿ جَمِيعًا ﴾ من صنوف الأموال ﴿ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ﴾ [الرعد : ١٨] وأنفقوه ﴿ لِيَفْتَدُوا بِهِ ﴾ [المائدة : ٣٦] ليجعلوه فدية لأنفسهم.
و " لو "
٤٠٨


الصفحة التالية
Icon