﴿ قَدِيرٌ * يَـا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَـارِعُونَ فِى الْكُفْرِ ﴾ أي لا تهتم ولا تبال بمسارعة المنافقين في الكفر أي في إظهاره بما يلوح منهم من آثار الكيد للإسلام ومن موالاة المشركين، فإني ناصرك عليهم وكافيك شرهم.
يقال أسرع فيه الشيب أي وقع سريعاً فكذلك مسارعتهم في الكفر وقوعهم فيه أسرع شيء إذا وجدوا فرصة لم يخطئوها ﴿ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا ﴾ [المائدة : ٤١] تبيين لقوله :" الذين يسارعون في الكفر " ﴿ مَنْ ﴾ مفعول " قالوا " ﴿ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾ متعلق بـ " قالوا " أي قالوا بأفواههم آمنا ﴿ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ ﴾ [المائدة : ٤١] في محل النصب على الحال ﴿ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا ﴾ [المائدة : ٤١] معطوف على " من الذين قالوا " أي من المنافقين واليهود.
ويرتفع ﴿ سَمَّـاعُونَ لِلْكَذِبِ ﴾ [المائدة : ٤٢] على أنه خبر مبتدأ مضمر أي هم سماعون والضمير للفريقين، أو سماعون مبتدأ وخبره " من الذين هادوا "، وعلى هذا يوقف " على قلوبهم "، وعلى الأول " على هادوا ".
ومعنى سماعون للكذب يسمعون منك ليكذبوا عليك بأن يمسخوا ما سمعوا منك بالزيادة والنقصان والتبديل والتغيير ﴿ سَمَّـاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّـاعُونَ لِقَوْمٍ ءَاخَرِينَ ﴾ [المائدة : ٤١] أي سماعون منك لأجل قوم آخرين من اليهود وجّهوهم عيوناً ليبلغوهم ما سمعوا منك ﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ﴾ [المائدة : ٤١] أي يزيلونه ويميلونه عن مواضعه التي وضعه الله فيها فيهملونه بغير مواضع بعد أن كان ذا موضع.
" يحرفون " صفة لقوم كقوله " لم يأتوك "، أو خبر لمبتدأ محذوف أي هم يحرفون، والضمير مردود على لفظ الكلم ﴿ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـاذَا ﴾ [المائدة : ٤١] المحرف المزال عن مواضعه ويقولون مثل يحرفون.
وجاز أن يكون حالاً من الضمير في " يحرفون " ﴿ فَخُذُوهُ ﴾ واعلموا أنه الحق واعملوا به ﴿ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ ﴾ [المائدة : ٤١] وأفتاكم محمد بخلافه ﴿ فَاحْذَرُوا ﴾ فإياكم وإياه فهو الباطل.
روي أن شريفاً زنى بشريفة بخيبر وهما محصنان وحدهما الرجم في التوراة فكرهوا رجمهما لشرفهما فبعثوا رهطاً منهم ليسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن ذلك وقالوا : إن أمركم بالجلد والتحميم فاقبلوا،
٤١٠
وإن أمركم بالرجم فلا تقبلوا، فأمرهم بالرجم فأبوا أن يأخذوا به ﴿ وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ ﴾ [المائدة : ٤١] ضلالته وهو حجة على من يقول : يريد الله الإيمان ولا يريد الكفر ﴿ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شيئا ﴾ [المائدة : ٤١] قطع رجاء محمد صلى الله عليه وسلّم عن إيمان هؤلاء ﴿ أؤلئك الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ﴾ [المائدة : ٤١] عن الكفر لعلمه منهم اختيار الكفر وهو حجة لنا عليهم أيضاً ﴿ لَهُمْ فِى الدُّنْيَا خِزْىٌ ﴾ [البقرة : ١١٤] للمنافقين فضيحة ولليهود جزية ﴿ وَلَهُمْ فِى الاخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [البقرة : ١١٤] أي التخليد في النار.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٠٩
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤١١
﴿ سَمَّـاعُونَ لِلْكَذِبِ ﴾ [المائدة : ٤٢] كرر للتأكيد أي هم سماعون ومثله ﴿ أَكَّـالُونَ لِلسُّحْتِ ﴾ [المائدة : ٤٢] وهو كل ما لا يحل كسبه وهو من سحته إذا استأصله لأنه مسحوت البركة، وفي الحديث " هو الرشوة في الحكم " وكانوا يأخذون الرشا على الأحكام وتحليل الحرام.
وبالتثقيل مكي وبصري وعلي ﴿ فَإِن جَآءُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾ [المائدة : ٤٢] قيل : كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم مخيراً إذا تحاكم إليه أهل الكتاب بين أن يحكم بينهم وبين أن لا يحكم بينهم.
وقيل : نسخ التخيير بقوله :﴿ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ ﴾ [المائدة : ٤٩] ﴿ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شيئا ﴾ [المائدة : ٤٢] فلن يقدروا على الإضرار بك لأن الله تعالى يعصمك من الناس ﴿ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ﴾ [المائدة : ٤٢] بالعدل ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [المائدة : ٤٢] العادلين.