﴿ وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاـاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ﴾ تعجيب من تحكيمهم لمن لا يؤمنون به وبكتابه مع أن الحكم منصوص في كتابهم الذي يدعون الإيمان به.
" فيها حكم الله " حال من التوراة وهي مبتدأ وخبره " عندهم " ﴿ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَالِكَ ﴾ [المائدة : ٤٣] عطف على " يحكمونك " أي ثم يعرضون من بعد تحكيمك عن حكمك الموافق لما في كتابهم لا يرضون به ﴿ وَمَآ أؤلئك بِالْمُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة : ٤٣] بك أو بكتابهم كما يدعون.
٤١١
﴿ إِنَّآ أَنزَلْنَا التَّوْرَاـاةَ فِيهَا هُدًى ﴾ يهدي للحق ﴿ وَنُورٌ ﴾ يبين ما استبهم من الأحكام ﴿ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا ﴾ [المائدة : ٤٤] انقادوا لحكم الله في التوراة وهو صفة أجريت للنبيين على سبيل المدح، وأريد بإجرائها التعريض باليهود لأنهم بعداء عن ملة الإسلام التي هي دين الأنبياء كلهم ﴿ لِلَّذِينَ هَادُوا ﴾ [المائدة : ٤٤] تابوا من الكفر، واللام يتعلق بـ " يحكم "
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤١١
﴿ وَالرَّبَّـانِيُّونَ وَالاحْبَارُ ﴾ معطوفان على " النبيون " أي الزهاد والعلماء ﴿ بِمَا اسْتُحْفِظُوا ﴾ [المائدة : ٤٤] استودعوا، قيل : ويجوز أن يكون بدلاً من " بها " في " يحكم بها " ﴿ مِن كِتَـابِ اللَّهِ ﴾ [المائدة : ٤٤] " من " للتبيين والضمير في " استحفظوا " للأنبياء والربانيين والأحبار جميعاً ويكون الاستحفاظ من الله أي كلفهم الله حفظه، أو " الربانيون والأحبار " ويكون الاستحفاظ من الأنبياء ﴿ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَآءَ ﴾ [المائدة : ٤٤] رقباء لئلا يبدل ﴿ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ ﴾ [المائدة : ٤٤] نهي للحكام عن خشيتهم غير الله في حكوماتهم وإمضائها على خلاف ما أمروا به من العدل خشية سلطان ظالم أو خيفة أذية أحد ﴿ وَاخْشَوْنِ ﴾ في مخالفة أمري وبالياء فيهما : سهل وافقه أبو عمرو في الوصل ﴿ وَلا تَشْتَرُوا ﴾ ولا تستبدلوا بآيات الله وأحكامه ﴿ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا ﴾ [النحل : ٩٥] وهو الرشوة وابتغاء الجاه ورضا الناس ﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ ﴾ [المائدة : ٤٤] مستهيناً به ﴿ فَأُوالَـائكَ هُمُ الْكَـافِرُونَ ﴾ [المائدة : ٤٤] قال ابن عباس رضي الله عنهما : من لم يحكم جاحداً فهو كافر، وإن لم يكن جاحداً فهو فاسق ظالم.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه : هو عام في اليهود وغيرهم.
﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ ﴾ [المائدة : ٤٥] وفرضنا على اليهود في التوراة ﴿ أَنَّ النَّفْسَ ﴾ [المائدة : ٤٥] مأخوذة ﴿ بِالنَّفْسِ ﴾ مقتولة بها إذا قتلتها بغير حق ﴿ وَالْعَيْنَ ﴾ مفقوءة ﴿ بِالْعَيْنِ وَالانْفَ ﴾ [المائدة : ٤٥]
٤١٢
مجدوع ﴿ بِالانْفِ وَالاذُنَ ﴾ [المائدة : ٤٥] مقطوعة ﴿ بِالاذُنِ وَالسِّنَّ ﴾ [المائدة : ٤٥] مقلوعة ﴿ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ﴾ [المائدة : ٤٥] أي ذات قصاص وهو المقاصة ومعناه ما يمكن فيه القصاص وإلا فحكومة عدل.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة فنزلت.
وقوله " أن النفس بالنفس " يدل عى أن المسلم يقتل بالذمي والرجل بالمرأة والحر بالعبد.
نصب نافع وعاصم وحمزة المعطوفات كلها للعطف على ما عملت فيه " أن ".
ورفعها عليٌّ للعطف على محل " أن النفس " لأن المعنى : وكتبنا عليهم النفس بالنفس إجراء لـ " كتبنا " مجرى " قلنا "، ونصب الباقون الكل ورفعوا الجروح.
والأذن بسكون الذال حيث كان : نافع.
والباقون : بضمها وهما لغتان كالسحت والسحت ﴿ فَمَن تَصَدَّقَ ﴾ [المائدة : ٤٥] من أصحاب الحق ﴿ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ﴾ فالتصدق به كفارة للمتصدق بإحسانه قال عليه السلام " من تصدق بدم فما دونه كان كفارة له من يوم ولدته أمه " ﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوالَـائكَ هُمُ الظَّـالِمُونَ ﴾ [المائدة : ٤٥] بالامتناع عن ذلك.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤١١