﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ ﴾ [المائدة : ٥٤] من يرجع منكم عن دين الإسلام إلى ما كان عليه من الكفر.
" يرتدد " مدني وشامي ﴿ فَسَوْفَ يَأْتِى اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾ [المائدة : ٥٤] يرضى أعمالهم ويثني عليهم بها ويطيعونه ويؤثرون رضاه، وفيه دليل نبوته عليه السلام حيث أخبرهم بما لم يكن فكان، وإثبات خلافة الصديق لأنه جاهد المرتدين، وفي صحة خلافته وخلافة عمر رضي الله عنهما.
وسئل النبي صلى الله عليه وسلّم عنهم فضرب على عاتق سلمان وقال " هذا وذووه لو كان الإيمان معلقاً بالثريا لناله رجال من أبناء فارس " والراجع من الجزاء إلى الاسم المتضمن لمعنى الشرط محذوف معناه فسوف يأتي الله بقوم مكانهم
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤١٦
﴿ أَذِلَّةٍ ﴾ جمع ذليل، وأما ذلول فجمعه ذلل.
ومن زعم أنه من الذّل الذي هو ضد الصعوبة فقد سها لأن ذلولاً لا يجمع على أذلة.
قال الجوهري : الذل ضد العز، ورجل ذليل بيّن الذل، وقوم أذلاء وأذلة، والذل بالكسر اللين وهو ضد الصعوبة يقال : دابة ذلول ودواب ذلل ﴿ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران : ١٥٢] ولم يقل للمؤمنين لتضمن الذل معنى الحنو والعطف كأنه قيل : عاطفين عليهم على وجه التذلل والتواضع ﴿ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَـافِرِينَ ﴾ [المائدة : ٥٤] أشداء عليهم والعزاز الأرض الصلبة فهم مع المؤمنين كالولد لوالده والعبد لسيده ومع الكافرين كالسبع على فريسته ﴿ يُجَـاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [المائدة : ٥٤] يقاتلون الكفار وهو صفة لـ " قوم " كـ " يحبهم " و " أعزة " و " أذلة " ﴿ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لا ـاِمٍ ﴾ [المائدة : ٥٤] الواو يحتمل أن تكون للحال أي يجاهدون وحالهم في المجاهدة خلاف حال المنافقين فإنهم كانوا موالين لليهود، فإذا خرجوا في جيش المؤمنين خافوا أولياءهم اليهود فلا يعملون شيئاً مما يعلمون أنه يلحقهم فيه لوم من جهتهم، وأما المؤمنون فمجاهدتهم لله لا يخافون لومة لائم.
وأن تكون للعطف أي من صفتهم المجاهدة في سبيل الله وهم صلاب في دينهم إذا شرعوا في أمر من أمور الدين لا تزعهم لومة لائم : واللومة المرة من اللوم وفيها وفي التنكير مبالغتان كأنه قيل : لا يخافون شيئاً قط من لوم واحد من اللوام ﴿ ذَالِكَ ﴾ إشارة إلى ما وصف به القوم من المحبة والذلة والعزة والمجاهدة وانتفاء خوف اللومة
٤١٧
﴿ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ ﴾ [المائدة : ٥٤] كثير الفواضل ﴿ عَلِيمٌ ﴾ بمن هو من أهلها.
عقب النهي عن موالاة من تجب معاداتهم ذكر من تجب موالاتهم بقوله ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ [المائدة : ٥٥] وإنما يفيد اختصاصهم بالموالاة ولم يجمع الولي وإن كان المذكور جماعة تنبيهاً على أن الولاية لله أصل ولغيره تبع، ولو قيل إنما أولياؤكم الله ورسوله والذين آمنوا لم يكن في الكلام أصل وتبع.
ومحل ﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَواةَ ﴾ [الانفال : ٣] الرفع على البدل من " الذين آمنوا "، أو على هم الذين، أو النصب على المدح ﴿ وَيُؤْتُونَ الزكاة ﴾ [الأعراف : ١٥٦].
والواو في ﴿ وَهُمْ ﴾ للحال أي يؤتونها في حال ركوعهم في الصلاة.
قيل : إنها نزلت في علي رضي الله عنه حين سأله سائل وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه كأنه كان مرجاً في خنصره فلم يتكلف لخلعه كثير عمل يفسد صلاته.
وورد بلفظ الجمع وإن كان السبب فيه واحداً ترغيباً للناس في مثل فعله لينالوا مثل ثوابه.
والآية تدل على جواز الصدقة في الصلاة، وعلى أن الفعل القليل لا يفسد الصلاة.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤١٦
﴿ وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ [المائدة : ٥٦] يتخذه ولياً أو يكن ولياً ﴿ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَـالِبُونَ ﴾ [المائدة : ٥٦] من إقامة الظاهر مقام الضمير أي فإنهم هم الغالبون، أو المراد بحزب الله الرسول والمؤمنون أي ومن يتولهم فقد تولى حزب الله، واعتضد بمن لا يغالب.
وأصل الحزب القوم يجتمعون لأمرٍ حزبهم أي أصابهم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤١٨


الصفحة التالية
Icon