وروي أن رفاعة بن زيد وسويد بن الحارث قد أظهرا الإسلام ثم نافقا وكان رجال من المسلمين يوادونهما فنزل ﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا ﴾ يعني اتخاذهم دينكم هزواً ولعباً لا يصح أن يقابل باتخاذكم إياهم أولياء بل يقابل ذلك بالبغضاء والمنابذة ﴿ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ ﴾ [التوبة : ٢٩] " من " للبيان ﴿ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ ﴾ [المائدة : ٥٧] أي المشركين وهو عطف على " الذين " المنصوبة.
و " الكفار " بصري وعلي عطف على الذين المجرورة أي من
٤١٨
الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الكفار ﴿ أَوْلِيَآءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [المائدة : ٥٧] في موالاة الكفار ﴿ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة : ٩١] حقاً لأن الإيمان حقاً يأبى موالاة أعداء الدين ﴿ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَواةِ اتَّخَذُوهَا ﴾ أي الصلاة أو المناداة ﴿ هُزُوًا وَلَعِبًا ذَالِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ ﴾ [المائدة : ٥٨] لأن لعبهم وهزوهم من أفعال السفهاء والجهلة فكأنهم لا عقل لهم، وفيه دليل على ثبوت الأذان بنص الكتاب لا بالمنام وحده ﴿ قُلْ يَـا أَهْلَ الْكِتَـابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلا أَنْ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ ﴾ [المائدة : ٥٩] يعني هل تعيبون منا وتنكرون إلا الإيمان بالله وبالكتب المنزلة كلها ﴿ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَـاسِقُونَ ﴾ [المائدة : ٥٩] وهو عطف على المجرور أي ما تنقمون منا إلا الإيمان بالله وما أنزل وبأن أكثركم فاسقون، والمعنى أعاديتمونا لأنا اعتقدنا توحيد الله وصدق أنبيائه وفسقكم لمخالفتكم لنا في ذلك؟ ويجوز أن يكون الواو بمعنى " مع " أي ما تنقمون منا إلا الإيمان بالله مع أنكم فاسقون.
﴿ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَالِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ ﴾ [المائدة : ٦٠] أي ثواباً وهو نصب على التمييز والمثوبة وإن كانت مختصة بالإحسان ولكنها وضعت موضع العقوبة كقوله ﴿ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [آل عمران : ٢١] (آل عمران : ١٢) وكان اليهود يزعمون أن المسلمين مستوجبون للعقوبة فقيل لهم
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤١٨
﴿ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ ﴾ [المائدة : ٦٠] شر عقوبة في الحقيقة من أهل الإسلام في زعمكم وذلك إشارة إلى المتقدم أي الإيمان أي بشر مما نقمتم من إيماننا ثواباً أي جزاء، ولا بد من حذف مضاف قبله أو قبل " من " تقديره : بشر من أهل ذلك أو دين من لعنه الله ﴿ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ ﴾ [المائدة : ٦٠] يعني أصحاب السبت ﴿ وَالْخَنَازِيرَ ﴾ أي كفار أهل مائدة عيسى عليه السلام، أو كلا المسخين من أصحاب السبت فشبانهم مسخوا قردة ومشايخهم مسخوا خنازير ﴿ وَعَبَدَ الطَّـاغُوتَ ﴾ [المائدة : ٦٠] أي العجل أو الشيطان لأن عبادتهم العجل بتزيين الشيطان وهو عطف على صلة " من " كأنه قيل : ومن عبد الطاغوت.
٤١٩
" وعبد الطاغوت " حمزة جعله اسماً موضوعاً للمبالغة كقولهم " رجل حذر وفطن " للبليغ في الحذر والفطنة، وهو معطوف على " القردة والخنازير " أي جعل الله منهم عبد الطاغوات ﴿ أؤلئك ﴾ الممسوخون الملعونون ﴿ شَرٌّ مَّكَانًا ﴾ [مريم : ٧٥] جعلت الشرارة للمكان وهي لأهله للمبالغة ﴿ وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ السَّبِيلِ ﴾ [المائدة : ٦٠] عن قصد الطريق الموصل إلى الجنة.
ونزل في ناس من اليهود كانوا يدخلون على النبي صلى الله عليه وسلّم ويظهرون له الإيمان نفاقاً.