﴿ وَإِذَا جَآءُوكُمْ قَالُوا ءَامَنَّا وَقَد دَّخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ ﴾ [المائدة : ٦١] الباء للحال أي دخلوا كافرين وخرجوا كافرين وتقديره ملتبسين بالكفر، وكذلك قد دخلوا وهم قد خرجوا ولذا دخلت " قد " تقريباً للماضي من الحال وهو متعلق بـ " قالوا آمنا " أي قالوا ذلك وهذه حالهم ﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ ﴾ [المائدة : ٦١] من النفاق ﴿ وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ ﴾ [المائدة : ٦٢] من اليهود ﴿ يُسَـارِعُونَ فِى الاثْمِ ﴾ [المائدة : ٦٢] الكذب ﴿ وَالْعُدْوَانِ ﴾ الظلم.
أو الإثم ما يختص بهم، والعدوان ما يتعداهم إلى غيرهم، والمسارعة في الشيء الشروع فيه بسرعة ﴿ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ﴾ [المائدة : ٦٢] الحرام ﴿ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة : ٦٢] لبئس شيئاً عملوه ﴿ لَوْلا ﴾ هلا وهو تحضيض ﴿ يَنْهَـاـاهُمُ الرَّبَّـانِيُّونَ وَالاحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الاثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [المائدة : ٦٣] هذا ذم للعلماء والأول للعامة.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : هي أشد آية في القرآن حيث أنزل تارك النهي عن المنكر منزلة مرتكب المنكر في الوعيد.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤١٨
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ﴾ [المائدة : ٦٤] روي أن اليهود لعنهم الله لما كذبوا محمداً عليه السلام كف الله ما بسط عليهم من السعة
٤٢٠
وكانوا من أكثر الناس مالاً، فعند ذلك قال فنحاص : يد الله مغلولة ورضي بقوله الآخرون فأشركوا فيه.
وغل اليد وبسطها مجاز عن البخل والجود ومنه قوله تعالى :﴿ وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ﴾ [الإسراء : ٢٩] (الإسراء : ٩٢).
ولا يقصد المتكلم به إثبات يد ولا غل ولا بسط حتى إنه يستعمل في ملك يعطي ويمنع بالإشارة من غير استعمال اليد، ولو أعطى الأقطع إلى المنكب عطاء جزلاً لقالوا ما أبسط يده بالنوال.
وقد استعمل حيث لا تصح اليد يقال : بسط البأس كفيه في صدري فجعل للبأس الذي هو من المعاني كفان، ومن لم ينظر في علم البيان يتحير في تأويل أمثال هذه الآية.
وقوله " غلت أيديهم " دعاء عليهم بالبخل ومن ثم كانوا أبخل خلق الله، أو تغل في جهنم فهي كأنها غلت وإنما ثنيت اليد في " بل يداه مبسوطتان " وهي مفردة في " يد الله مغلولة " ليكون رد قولهم وإنكاره أبلغ وأدل على إثبات غاية السخاء له ونفي البخل عنه، فغاية ما يبذله السخي أن يعطيه بيديه ﴿ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ ﴾ [المائدة : ٦٤] تأكيد للوصف بالسخاء ودلالة على أنه لا ينفق إلا على مقتضى الحكمة ﴿ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم ﴾ [المائدة : ٦٤] من اليهود ﴿ مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَـانًا وَكُفْرًا ﴾ [المائدة : ٦٤] أي يزدادون عند نزول القرآن لحسدهم تمادياً في الجحود وكفراً بآيات الله، وهذا من إضافة الفعل إلى السبب كما قال " فزادتهم رجساً إلى رجسهم ".
﴿ وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَـامَةِ ﴾ فكلمهم أبداً مختلف وقلوبهم شتى لا يقع بينهم اتفاق ولا تعاضد ﴿ كُلَّمَآ أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ﴾ [المائدة : ٦٤] كلما أرادوا محاربة أحد غلبوا وقهروا لم يقم لهم نصر من الله على أحد قط، وقد أتاهم الإسلام وهم في ملك المجوس.
وقيل : كلما حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم نصر عليهم.
عن قتادة : لا تلقي يهودياً في بلد إلا وقد وجدته من أذل الناس ﴿ وَيَسْعَوْنَ فِى الارْضِ فَسَادًا ﴾ [المائدة : ٣٣] ويجتهدون في دفع الإسلام ومحو ذكر النبي عليه السلام من كتبهم ﴿ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَـابِ ءَامَنُوا ﴾ برسول الله عليه السلام وبما جاء به مع ما عددنا من سيئآتهم ﴿ وَاتَّقُوا ﴾ أي وقرنوا إيمانهم بالتقوى ﴿ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّـاَاتِهِمْ ﴾ [المائدة : ٦٥] ولم نؤاخذهم بها ﴿ وَلادْخَلْنَـاهُمْ جَنَّـاتِ النَّعِيمِ ﴾ [المائدة : ٦٥] مع المسلمين.
٤٢١
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤١٨