﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاـاةَ وَالانجِيلَ ﴾ أي أقاموا أحكامهما وحدودهما وما فيهما من نعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم ﴿ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ ﴾ [المائدة : ٦٦] من سائر كتب الله لأنهم مكلفون الإيمان بجميعها فكأنها أنزلت إليهم.
وقيل : هو القرآن.
﴿ لاكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ ﴾ [المائدة : ٦٦] يعني الثمار من فوق رؤوسهم ﴿ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ﴾ [المائدة : ٦٦] يعني الزروع وهذه عبارة عن التوسعة كقولهم " فلان في النعمة من فرقه إلى قدمه ".
ودلت الآية على أن العمل بطاعة الله تعالى سبب لسعة الرزق وهو كقوله تعالى :﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـاتٍ مِّنَ السَّمَآءِ وَالارْضِ ﴾ [الأعراف : ٩٦] (الأعراف : ٦٩).
﴿ يَحْتَسِبُ ﴾ (الطلاق : ٣).
﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴾ [نوح : ١٠] (نوح : ٠١) الآيات.
﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَـامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لاسْقَيْنَـاهُم مَّآءً غَدَقًا ﴾ [الجن : ١٦] ﴿ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ﴾ [المائدة : ٦٦] طائفة حالها أممٌ في عداوة رسول الله عليه السلام.
وقيل : هي الطائفة المؤمنة وهم عبد الله بن سلام وأصحابه وثمانية وأربعون من النصارى ﴿ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة : ٦٦] فيه معنى التعجب كأنه قيل : وكثير منهم ما أسوأ عملهم.
وقيل : هم كعب بن الأشرف وأصحابه وغيرهم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٢٢
﴿ يَـا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ﴾ [المائدة : ٦٧] جميع ما أنزل إليك، وأي شيء أنزل إليك غير مراقب في تبليغه أحداً ولا خائف أن ينالك مكروه ﴿ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ ﴾ [المائدة : ٦٧] وإن لم تبلغ جميعه كما أمرتك ﴿ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ﴾ [المائدة : ٦٧] " رسالاته " : مدني وشامي وأبو بكر.
أي فلم تبلغ إذاً ما كلفت من أداء الرسالة ولم تؤد منها شيئاً قط، وذلك أن بعضها ليس بأولى بالأداء من بعض، فإذا لم تؤد بعضها فكأنك أغفلت أداءها جميعاً، كما أن من لم يؤمن ببعضها كان كمن لم يؤمن بكلها لكونها في حكم شيء واحد لدخولها تحت خطاب واحد، والشيء الواحد لا يكون مبلغاً غير مبلغ مؤمناً به غير مؤمن.
قالت الملحدة لعنهم الله تعالى : هذا كلام لا يفيد وهو كقولك لغلامك :
٤٢٢
" كل هذا الطعام فإن لم تأكله فإنك ما أكلته "، قلنا : هذا أمر بتبليغ الرسالة في المستقبل أي بلغ ما أنزل إليك من ربك في المستقبل فإن لم تفعل أي إن لم تبلغ الرسالة في المستقبل فكأنك لم تبلغ الرسالة أصلاً، أو بلغ ما أنزل إليك من ربك الآن ولا تنتظر به كثرة الشوكة والعدة، فإن لم تبلغ كنت كمن لم يبلغ أصلاً، أو بلغ ذلك غير خائف أحداً فإن لم تبلغ على هذا الوصف فكأنك لم تبلغ الرسالة أصلاً.
ثم قال مشجعاً له في التبليغ ﴿ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة : ٦٧] يحفظك منهم قتلاً فلم يقدر عليه وإن شج في وجهه يوم أحد وكسرت رباعيته أو نزلت بعدما أصابه ما أصابه.
والناس الكفار بدليل قوله ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَـافِرِينَ ﴾ [المائدة : ٦٧] لا يمكنهم مما يريدون إنزاله بك من الهلاك.
﴿ قُلْ يَـا أَهْلَ الْكِتَـابِ لَسْتُمْ عَلَى شَىْءٍ ﴾ على دين يعتد به حتى يسمى شيئاً لبطلانه ﴿ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاـاةَ وَالانجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ يعني القرآن ﴿ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَـانًا وَكُفْرًا ﴾ [المائدة : ٦٤] إضافة زيادة الكفر والطغيان إلى القرآن بطريق التسبيب ﴿ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَـافِرِينَ ﴾ [المائدة : ٦٨] فلا تتأسف عليهم فإن ضرر ذلك يعود إليهم لا إليك.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٢٢