﴿ إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ [النساء : ١٣٧] بألسنتهم وهم المنافقون ودل عليه قوله : و ﴿ لا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَـارِعُونَ فِى الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا ءَامَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ ﴾ [المائدة : ٤١] (آل عمران : ٦٧) ﴿ وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّـابِئُونَ وَالنَّصَـارَى ﴾ قال سيبويه وجميع البصريين : ارتفع " الصابئون " بالابتداء وخبره محذوف والنية به التأخير عما في حيز " إن " من اسمها وخبرها كأنه قيل : إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى ﴿ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاخِرِ وَعَمِلَ صَـالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [المائدة : ٦٩] والصابئون كذلك أي من آمن بالله واليوم الآخر فلا خوف عليهم فقدم وحذف الخبر كقوله :
٤٢٣
فمن يك أمسى بالمدينة رحله
فإني وقيار بها لغريب
أي فإني لغريب وقيار كذلك، ودل اللام على أنه خبر " إن " ولا يرتفع بالعطف على محل " إن " واسمها لأن ذا لا يصح قبل الفراغ من الخبر.
لا تقول " إن زيداً وعمرو منطلقان " وإنما يجوز " إن زيداً منطلق وعمرو "، والصابئون مع خبره المحذوف جملة معطوفة على جملة قوله " إن الذين آمنوا " إلى آخره، ولا محل لها كما لا محل للتي عطفت عليها.
وفائدة التقديم التنبيه على أن الصابئين وهم أبين هؤلاء المعدودين ضلالاً وأشدهم غياً يتاب عليهم إن صح منهم الإيمان فما الظن بغيرهم ومحل " من آمن " الرفع على الابتداء وخبره " فلا خوف عليهم " والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط.
ثم الجملة كما هي خبر " إن " والراجح إلى اسم " إن " محذوف تقديره : من آمن منهم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٢٢
﴿ لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِى ﴾ بالتوحيد ﴿ وَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمْ رُسُلا ﴾ [المائدة : ٧٠] ليقفوهم على ما يأتون وما يذرون في دينهم ﴿ كُلَّمَا جَآءَهُمْ رَسُولُ ﴾ [المائدة : ٧٠] جملة شرطية وقعت صفة لـ " رسلاً " والراجع محذوف أي رسول منهم ﴿ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُهُمْ ﴾ [المائدة : ٧٠] بما يخالف هواهم ويضاد شهواتهم من مشاق التكليف والعسل بالشرائع، وجواب الشرط محذوف دل عليه ﴿ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ ﴾ [المائدة : ٧٠] كأنه يقول : كلما جاءهم رسول منهم ناصبوه.
وقوله " فريقاً كذبوا " جواب مستأنف لقائل كأنه قيل : كيف فعلوا برسلهم وقال " يقتلون " بلفظ المضارع على حكاية الحال الماضية استفظاعاً للقتل، وتنبيهاً على أن القتل من شأنهم، وانتصب " فريقاً " و " فريقاً " على أنه مفعول " كذبوا " و " يقتلون ".
وقيل : التكذيب مشترك بين اليهود والنصارى، والقتل مختص باليهود فهم قتلوا زكريا ويحيى.
﴿ وَحَسِبُوا أَلا تَكُونَ ﴾ [المائدة : ٧١] " أن لا تكون " : حمزة وعلي وأبو عمرو على " أن " مخففة من الثقيلة أصله أنه لا تكون فخففت " إن " وحذف ضمير الشأن، ونزل حسبانهم لقوته في صدورهم منزلة العلم فلذا دخل فعل الحسبان على " إن " التي هي
٤٢٤
للتحقيق ﴿ فِتْنَةٌ ﴾ بلاء وعذاب أي وحسب بنو إسرائيل أنهم لا يصيبهم من الله عذاب بقتل الأنبياء وتكذيب الرسل.
وسد ما يشتمل عليه صلة " أن " وأن من المسند والمسند إليه مسد مفعولي " حسب " ﴿ فَعَمُوا وَصَمُّوا ﴾ [المائدة : ٧١] فلم يعملوا بما رأوا ولا بما سمعوا، أو فعموا عن الرشد وصموا عن الوعظ ﴿ ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾ [المائدة : ٧١] رزقهم التوبة ﴿ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِّنْهُمْ ﴾ [المائدة : ٧١] هو بدل من الضمير أي الواو وهو بدل البعض من الكل، أو هو خبر مبتدأ محذوف أي أولئك كثير منهم ﴿ وَاللَّهُ بَصِيرُ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة : ٩٦] فيجازيهم بحسب أعمالهم.