﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِى إِسْرَاءِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّى وَرَبَّكُمْ ﴾ لم يفرق عيسى عليه السلام بينه وبينهم في أنه عبد مربوب ليكون حجة على النصارى ﴿ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ ﴾ [المائدة : ٧٢] في عبادته غير الله ﴿ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ﴾ [المائدة : ٧٢] التي هي دار الموحدين أي حرمه دخولها ومنه منعه ﴿ مِنَ النَّارِ ﴾ أي مرجعه ﴿ وَمَا لِلظَّـالِمِينَ ﴾ [البقرة : ٢٧٠] أي الكافرين ﴿ مِنْ أَنصَارٍ ﴾ [البقرة : ٢٧٠] وهو من كلام الله تعالى أو من كلام عيسى عليه السلام.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٢٢
﴿ لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَـاثَةٍ ﴾ [المائدة : ٧٣] أي ثالث ثلاثة آلهة، والإشكال أنه تعالى قال في الآية الأولى " لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم " وقال في الثانية " لقد كفر الذين قالوا إن اللّه ثالث ثلاثة " والجواب أن بعض النصارى كانوا يقولون : كان المسيح بعينه هو الله لأن الله ربما يتجلى في بعض الأزمان في شخص فتجلى في ذلك الوقت في شخص عيسى، ولهذا كان يظهر من شخص عيسى أفعال لا يقدر عليها إلا الله، وبعضهم ذهبوا إلى آلهة ثلاثة : الله ومريم والمسيح وأنه ولد الله من مريم.
و " من " في قوله ﴿ وَمَا مِنْ إِلَـاهٍ إِلا إِلَـاهٌ وَاحِدٌ ﴾ [المائدة : ٧٣] للاستغراق أي وما إله قط في الوجود إلا إله موصوف بالوحدانية لا ثاني له
٤٢٥
وهو الله وحده لا شريك له.
وفي قوله ﴿ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ ﴾ [المائدة : ٧٣] للبيان كالتي في ﴿ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الاوْثَـانِ ﴾ [الحج : ٣٠] (الحج : ٠٣) ولم يقل " ليمسنهم " لأن في إقامة الظاهر مقام المضمر تكريراً للشهادة عليهم بالكفر، أو للتبعيض أي ليمسن الذين بقوا على الكفر منهم لأن كثيراً منهم تابوا عن النصرانية ﴿ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [البقرة : ١٠٤] نوع شديد الألم من العذاب.
﴿ أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ ﴾ [المائدة : ٧٤] ألا يتوبون بعد هذه الشهادة المكررة عليهم بالكفر وهذا الوعيد الشديد مما هم عليه وفيه تعجيب من إصرارهم ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [البقرة : ٢١٨] يغفر لهؤلاء إن تابوا ولغيرهم.
﴿ مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ ﴾ [المائدة : ٧٥]فيه نفي الألوهية عنه ﴿ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ﴾ [آل عمران : ١٤٤] صفة لرسول أي ما هو إلا رسول من جنس الرسل الذين خلوا من قبله، وإبراؤه الأكمه والأبرص وإحياؤه الموتى لم يكن منه لأنه ليس إلهاً بل الله أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى على يده كما أحيا العصا وجعلها حية تسعى على يد موسى، وخلقه من غير ذكر كخلق آدم من غير ذكر وأنثى ﴿ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ﴾ [
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٢٢
المائدة : ٧٥] أي وما أمه أيضاً إلا كبعض النساء المصدقات للأنبياء المؤمنات بهم.
ووقع اسم الصديقة عليها لقوله تعالى :﴿ وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَـاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ ﴾ [التحريم : ١٢] (التحريم : ٢١).
ثم أبعدهما عما نسب إليهما بقوله ﴿ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ ﴾ [المائدة : ٧٥] لأن من احتاج إلى الاغتذاء بالطعام وما يتبعه من الهضم والنقض لم يكن إلا جسماً مركباً من لحم وعظم وعروق وأعصاب وغير ذلك ما يدل على أنه مصنوع مؤلف كغيره من الأجسام ﴿ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الايَـاتِ ﴾ [المائدة : ٧٥] أي الأعلام من الأدلة الظاهرة على بطلان قولهم ﴿ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [المائدة : ٧٥] كيف يصرفون عن استماع الحق وتأمله بعد هذا البيان، وهذا تعجيب من الله تعالى في ذهابهم عن الفرق بين الرب والمربوب.
٤٢٦


الصفحة التالية
Icon