﴿ قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا ﴾ [المائدة : ٧٦] هو عيسى عليه السلام أي شيئاً لا يستطيع أن يضركم بمثل ما يضركم به الله من البلاء والمصائب في الأنفس والأموال، ولا أن ينفعكم بمثل ما ينفعكم به من صحة الأبدان والسعة والخصب، لأن كل ما يستطيعه البشر من المضار والمنافع فبتخليقه تعالى فكأنه لا يملك منه شيئاً، وهذا دليل قاطع على أن أمره منافٍ للربوبية حيث جعله لا يستطيع ضراً ولا نفعاً، وصفة الرب أن يكون قادراً على كل شيء لا يخرج مقدور عن قدرته ﴿ وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [المائدة : ٧٦] متعلق بـ " أتعبدون " أي أتشركون بالله ولا تخشونه وهو الذي يسمع ما تقولونه ويعلم ما تعتقدونه ﴿ قُلْ يَـا أَهْلَ الْكِتَـابِ لا تَغْلُوا فِى دِينِكُمْ ﴾ [المائدة : ٧٧] الغلو مجاوزة الحد، فغلو النصارى رفعه فوق قدره باستحقاق الألوهية، وغلو اليهود وضعه عن استحقاق النبوة ﴿ غَيْرَ الْحَقِّ ﴾ [آل عمران : ١٥٤] صفة لمصدر محذوف أي غلوا غير الحق يعني غلواً باطلاً ﴿ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ ﴾ [المائدة : ٧٧] أي أسلافكم وأئمتكم الذين كانوا على الضلال قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلّم ﴿ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا ﴾ [المائدة : ٧٧] ممن تابعهم ﴿ وَضَلُّوا ﴾ لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم ﴿ عَن سَوَآءِ السَّبِيلِ ﴾ [المائدة : ٦٠] حين كذبوه وحسدوه وبغوا عليه.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٢٢
﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِى إِسْرَاءِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُادَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ﴾ قيل : إن أهل أيلة لما اعتدوا في السبت قال داود : اللهم العنهم واجعلهم آية فمسخوا قردة.
ولما كفر أصحاب عيسى بعد المائدة قال عيسى : اللهم عذب من كفر بعدما أكل من المائدة عذاباً لم تعذبه أحداً من العالمين والعنهم كما لعنت أصحاب السبت فأصبحوا خنازير وكانوا خمسة آلاف رجل ﴿ ذَالِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾ [البقرة : ٦١] ذلك اللعن بعصيانهم واعتدائهم ثم فسر المعصية والاعتداء بقوله
٤٢٧
﴿ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ ﴾ [المائدة : ٧٩] لا ينهي بعضهم بعضاً
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٢٧
﴿ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ﴾ [المائدة : ٧٩] عن قبيح فعلوه.
ومعنى وصف المنكر بـ " فعلوه " ولا يكون النهي بعد الفعل أنهم لا يتناهون عن معاودة منكر فعلوه أو عن مثل منكر فعلوه أو عن منكر أرادوا فعله، أو المراد لا ينتهون عن منكر فعلوه بل يصرون عليه.
يقال : تناهى عن الأمر وانتهى عنه إذا امتنع منه وتركه.
ثم عجب من سوء فعلهم مؤكداً لذلك بالقسم بقوله ﴿ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المائدة : ٧٩] وفيه دليل على أن ترك النهي عن المنكر من العظائم فيا حسرة على المسلمين في إعراضهم عنه ﴿ تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [المائدة : ٨٠] هم منافقو أهل الكتاب كانوا يوالون المشركين ويصافونهم ﴿ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾ [المائدة : ٨٠] لبئس شيئاً قدموه لأنفسهم سخط الله عليهم أي موجب سخط الله ﴿ وَفِى الْعَذَابِ هُمْ خَـالِدُونَ ﴾ [المائدة : ٨٠] أي في جهنم ﴿ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالْلَّهِ ﴾ [المائدة : ٨١] إيماناً خالصاً بلا نفاق ﴿ وَالنَّبِىِّ ﴾ أي محمد صلى الله عليه وسلّم ﴿ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ ﴾ [المائدة : ٨١] يعني القرآن ﴿ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَآءَ ﴾ [المائدة : ٨١] ما اتخذوا المشركين أولياء يعني أن موالاة المشركين تدل على نفاقهم ﴿ وَلَـاكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَـاسِقُونَ ﴾ [المائدة : ٨١] مستمرون في كفرهم ونفاقهم، أو معناه ولو كان هؤلاء اليهود يؤمنون بالله وبموسى وما أنزل إليه ـ يعني التوراة ـ ما اتخذوا المشركين أولياء كما لم يوالهم المسلمون ولكن كثيراً منهم فاسقون خارجون عن دينهم فلا دين لهم أصلاً.


الصفحة التالية
Icon