﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا الْيَهُودَ ﴾ هو مفعول ثان لـ " تجدن ".
و " عداوة " تمييز ﴿ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ﴾ [الحج : ١٧] عطف عليهم ﴿ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَـارَى ﴾ [المائدة : ٨٢] اللام تتعلق بـ " عداوة " و " مودة ".
وصف اليهود بشدة الشكيمة والنصارى بلين العريكة، وجعل اليهود قرناء المشركين في شدة العداوة للمؤمنين،
٤٢٨
ونبه على تقدم قدمهم فيها بتقديمهم على المشركين ﴿ ذَالِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا ﴾ [المائدة : ٨٢] أي علماء وعباداً ﴿ وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [المائدة : ٨٢] علل سهولة مأخذ النصارى وقرب مودتهم للمؤمنين بأن منهم قسيسين ورهباناً وأن فيهم تواضعاً واستكانة، واليهود على خلاف ذلك، وفيه دليل على أن العلم أنفع شيء وأهداه إلى الخير وإن كان علم القسيسين، وكذا علم الآخرة وإن كان في راهب، والبراءة من الكبر وإن كانت في نصراني ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا مَآ أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ﴾ [المائدة : ٨٣] وصفهم برقة القلوب وأنهم يبكون عند استماع القرآن كما روي عن النجاشي أنه قال لجعفر بن أبي طالب حين اجتمع في مجلسه المهاجرون إلى الحبشة والمشركون وهم يقرءونه عليهم : هل في كتابكم ذكر مريم؟ قال جعفر : فيه سورة تنسب إلى مريم.
فقرأها إلى قوله :﴿ ذَالِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ﴾ [مريم : ٣٤] (الآية : ٤٣) وقرأ سورة طه إلى قوله :﴿ وَهَلْ أَتَـاـاكَ حَدِيثُ مُوسَى ﴾ [طه : ٩] (الآية : ٩) فبكى النجاشي وكذلك فعل قومه الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهم سبعون رجلاً حين قرأ عليهم سورة " يس " فبكوا.
" تفيض من الدمع " تمتلىء من الدمع حتى تفيض لأن الفيض أن يمتلىء الإناء أو غيره حتى يطلع ما فيه من جوانبه، فوضع الفيض الذي هو من الامتلاء موضع الامتلاء، أو قصدت المبالغة في وصفهم بالبكاء فجعلت أعينهم كأنها تفيض بأنفسها أي تسيل من أجل البكاء.
و " من " في " مما عرفوا " لابتداءالغاية على أن فيض الدمع ابتدأ ونشأ من معرفة الحق وكان من أجله، " ومن " في " من الحق " لتبيين الموصول الذي هو ما عرفوا، أو للتبعيض على أنهم عرفوا بعض الحق فأبكاهم فكيف إذا عرفوا كله وقرأوا القرآن وأحاطوا بالسنة ﴿ يَقُولُونَ ﴾ حال من ضمير الفاعل في " عرفوا " ﴿ رَبَّنَآ ءَامَنَّا ﴾ [آل عمران : ٥٣] بمحمد صلى الله عليه وسلّم والمراد إنشاء الإيمان والدخول فيه ﴿ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّـاهِدِينَ ﴾ [آل عمران : ٥٣] مع أمة محمد عليه السلام الذين هم شهداء على سائر الأمم يوم القيامة لتكونوا شهداء على الناس، وقالوا ذلك لأنهم وجدوا ذكرهم في الإنجيل كذلك.
٤٢٩


الصفحة التالية
Icon