﴿ وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ ﴾ [المائدة : ٨٤] إنكار واستبعاد لانتفاء الإيمان مع قيام موجبه وهو الطمع في إنعام الله عليهم بصحبة الصالحين.
وقيل : لما رجعوا إلى قومهم لاموهم فأجابوهم بذلك.
" ومالنا " مبتدأ وخبر و " لا نؤمن " حال أي غير مؤمنين كقولك " مالك قائماً " ﴿ وَمَا جَآءَنَا ﴾ [المائدة : ٨٤] وبما جاءنا ﴿ مِنَ الْحَقِّ ﴾ [البقرة : ٢١٣] يعني محمداً عليه السلام والقرآن ﴿ وَنَطْمَعُ ﴾ حال من ضمير الفاعل في " نؤمن " والتقدير : ونحن نطمع ﴿ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا ﴾ [المائدة : ٨٤] الجنة ﴿ مَعَ الْقَوْمِ الصَّـالِحِينَ ﴾ [المائدة : ٨٤] الأنبياء والمؤمنين ﴿ فَأَثَـابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا ﴾ [المائدة : ٨٥] أي بقولهم ربنا آمنا وتصديقهم لذلك ﴿ جَنَّـاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَـارُ خَـالِدِينَ فِيهَا وَذَالِكَ جَزَآءُ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المائدة : ٨٥] وفيه دليل على أن الإقرار داخل في الإيمان كما هومذهب الفقهاء.
وتعلقت الكرامية في أن الإيمان مجرد القول بقوله " بما قالوا " لكن الثناء بفيض الدمع في السباق وبالإحسان في السياق يدفع ذلك، وأنى يكون مجرد القول إيماناً وقد قال الله تعالى :﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الاخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة : ٨] (البقرة : ٨).
نفى الإيمان عنهم مع قولهم " آمنا بالله " لعدم التصديق بالقلب.
وقال أهل المعرفة : الموجود منهم ثلاثة أشياء : البكاء على الجفاء، والدعاء على العطاء، والرضا بالقضاء، فمن ادعى المعرفة ولم يكن فيه هذه الثلاثة فليس بصادق في دعواه ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِـاَايَـاتِنَآ أؤلئك أَصْحَـابُ الْجَحِيمِ ﴾ [المائدة : ١٠] هذا أثر الرد في حق الأعداء، والأول أثر القبول للأولياء، ونزل في جماعة من الصحابة رضي الله عنهم حلفوا أن يترهبوا ويلبسوا المسوح ويقوموا الليل ويصوموا النهار ويسيحوا في الأرض ويجبّوا مذاكيرهم ولا يأكلوا اللحم والودك ولا يقربوا النساء والطيب.
٤٣٠
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٢٧
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٣١
﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَـاتِ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ [المائدة : ٨٧] ما طاب ولذ من الحلال.
ومعنى " لا تحرموا " لا تمنعوها أنفسكم كمنع التحريم، أو لا تقولوا حرمناها على أنفسنا مبالغة منكم في العزم على تركها تزهداً منكم وتقشفاً.
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يأكل الدجاج والفالوذ وكان يعجبه الحلواء والعمل وقال " إن المؤمن حلو يحب الحلاوة ".
وعن الحسن أنه دعي إلى طعام ومعه فرقد السنجي وأصحابه فقعدوا على المائدة وعليها الألوان من الدجاج المسمن والفالوذ وغير ذلك، فاعتزل فرقد ناحية فسأل الحسن : أهو صائم؟ قالوا : لا ولكنه يكره هذه الألوان، فأقبل الحسن عليه وقال : يا فريقد أترى لعاب النحل بلباب البر بخالص السمن يعيبه مسلم؟ وعنه أنه قيل له : فلان لا يأكل الفالوذ ويقول لا أؤدي شكره.
فقال : أفيشرب الماء البارد؟ قالوا : نعم.
قال : إنه جاهل أن نعمة الله عليه في الماء البارد أكبر من نعمته عليه في الفالوذ.
﴿ وَلا تَعْتَدُوا ﴾ [البقرة : ١٩٠] ولا تجاوزوا الحد الذي حد عليكم في تحليل أو تحريم، أو ولا تتعدوا حدود ما أحل لكم إلى ما حرم عليكم أو ولا تسرفوا في تناول الطيبات ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [البقرة : ١٩٠] حدوده.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٣١
﴿ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَـالا طَيِّبًا ﴾ [المائدة : ٨٨] " حلالاً " حال " مما رزقكم الله " ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [المائدة : ٨٨] توكيد للتوصية بما أمر به وزاده توكيداً بقوله ﴿ الَّذِى أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ ﴾ [المائدة : ٨٨] لأن الإيمان به يوجب التقوى فيما أمر به ونهى.
٤٣١