﴿ لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِى أَيْمَـانِكُمْ ﴾ [البقرة : ٢٢٥] اللغو في اليمين الساقط الذي لا يتعلق به حكم، وهو أن يحلف على شيء يرى أنه كذلك وليس كما ظن، وكانوا حلفوا على تحريم الطيبات على ظن أنه قربة فلما نزلت تلك الآية قالوا : فكيف أيماننا؟ فنزلت.
وعند الشافعي رحمه الله ما يجري على اللسان بلا قصد ﴿ وَلَـاكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الايْمَـانَ ﴾ [المائدة : ٨٩] أي بتعقيدكم الأيمان وهو توثيقها.
وبالتخفيف : كوفي غير حفص.
والعقد : العزم على الوطء، وذا لا يتصور في الماضي فلا كفارة في الغموس.
وعند الشافعي رحمه الله القصد بالقلب ويمين الغموس مقصودة فكانت معقودة فكانت الكفارة فيها مشروعة.
والمعنى : ولكن يؤاخذكم بما عقدتم إذا حنثتم، فخذف وقت المؤاخذة لأنه كان معلوماً عندهم، أو بنكث ما عقدتم فحذف المضاف ﴿ فَكَفَّـارَتُهُ ﴾ أي فكفارة نكثه أو فكفارة معقود الأيمان.
والكفارة الفعلة التي من شأنها أن تكفر الخطيئة أي تسترها ﴿ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَـاكِينَ ﴾ [المائدة : ٨٩] هو أن يغديهم ويعشيهم، ويجوز أن يعطيهم بطريق التمليك وهو لكل أحد نصف صاع من بر أوصاع من شعير أو صاع من تمر.
وعند الشافعي رحمه الله مد لكل مسكين ﴿ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ﴾ أي غداء وعشاء من بر إذ الأوسع ثلاث مرات مع الإدام والأدنى مرة من تمر أو شعير ﴿ أَوْ كِسْوَتُهُمْ ﴾ [المائدة : ٨٩] عطف على " إطعام " أو على محل " من أوسط "، ووجهه أن " من أوسط " بدل من " إطعام " والبدل هو المقصود في الكلام وهو ثوب يغطي العورة.
وعن ابن عمر رضي الله عنه : إزار وقميص ورداء ﴿ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ﴾ [المائدة : ٨٩] مؤمنة أو كافرة لإطلاق النص، وشرط الشافعي رحمه الله الإيمان حملاً للمطلق على المقيد في كفارة القتل.
ومعنى " أو " التخيير وإيجاب إحدى الكفارات الثلاث ﴿ فَمَن لَّمْ يَجِدْ ﴾ [البقرة : ١٩٦] إحداها ﴿ فَصِيَامُ ثَلَـاثَةِ أَيَّامٍ ﴾ [المائدة : ٨٩] " متتابعة " لقراءة أبيّ وابن
٤٣٢
مسعود كذلك ﴿ ذَالِكَ ﴾ المذكور ﴿ كَفَّارَةُ أَيْمَـانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ﴾ [المائدة : ٨٩] وحنثتم فترك ذكر الحنث لوقوع العلم بأن الكفارة لا تجب بنفس الحلف ولذا لم يجز التكفير قبل الحنث ﴿ وَاحْفَظُوا أَيْمَـانَكُمْ ﴾ [المائدة : ٨٩] فبروا فيها ولا تحنثوا إذا لم يكن الحنث خيراً أو ولا تحلفوا أصلاً ﴿ كَذَالِكَ ﴾ مثل ذلك البيان ﴿ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءَايَـاتِهِ ﴾ [البقرة : ٢٤٢] أعلام شريعته وأحكامه ﴿ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة : ٥٢] نعمته فيما يعلمكم ويسهل عليكم المخرج منه.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٣١
﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ﴾ أي القمار ﴿ وَالانصَابُ ﴾ الأصنام لأنها تنصب فتعبد ﴿ وَالازْلَـامُ ﴾ وهي القداح التي مرت ﴿ رِجْسٌ ﴾ نجس أو خبيث مستقذر ﴿ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَـانِ ﴾ [القصص : ١٥] لأنه يحمل عليه فكأنه عمله.
والضمير في ﴿ فَاجْتَنِبُوهُ ﴾ يرجع إلى الرجس، أو إلى عمل الشيطان، أو إلى المذكور، أو إلى المضاف المحذوف كأنه قيل : إنما تعاطى الخمر والميسر ولذا قال " رجس ".
﴿ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة : ١٨٩] أكد تحريم الخمر والميسر من وجوه حيث صدر الجملة بإنما وقرنهما بعبادة الأصنام ومنه الحديث " شارب الخمر كعابد الوثن " وجعلهما رجساً من عمل الشيطان ولا يأتي منه إلا الشر البحت، وأمر بالاجتناب، وجعل الاجتناب من الفلاح وإذا كان الاجتناب فلاحاً كان الارتكاب خساراً ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَـانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ فِى الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَواةِ ﴾ ذكر ما يتولد منهما من الوبال وهو وقوع التعادي والتباغض بين أصحاب الخمر والقمر، وما يؤديان إليه من الصد عن ذكر الله وعن مراعاة أوقات الصلاة، وخص الصلاة من بين الذكر لزيادة درجتها كأنه قال : وعن الصلاة خصوصاً.
وإنما جمع الخمر والميسر مع الأنصاب والأزلام أولاً ثم أفردهما آخراً، لأن الخطاب مع المؤمنين وإنما نهاهم عما كانوا يتعاطونه من شرب الخمر واللعب بالميسر، وذكر الأنصاب والألزام لتأكيد تحريم الخمر والميسر وإظهار أن ذلك جميعاً
٤٣٣


الصفحة التالية
Icon