من أعمال أهل الشرك فكأنه لا مباينة بين عابد الصنم وشارب الخمر والمقامر، ثم أفردهما بالذكر ليعلم أنهما المقصود بالذكر ﴿ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ﴾ [المائدة : ٩١] من أبلغ ما ينهى به كأنه قيل : قد تلي عليكم ما فيهما من أنواع الصوارف والزواجر فهل أنتم مع هذه الصوارف منتهون أم أنتم على ما كنتم عليه كأن لم توعظوا ولم تزجروا ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ﴾ [المائدة : ٩٢] وكونوا حذرين خاشعين لأنهم إذا حذروا دعاهم الحذر إلى اتقاء كل سيئة وعمل كل حسنة ﴿ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ ﴾ [المائدة : ٩٢] عن ذلك ﴿ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَـاغُ الْمُبِينُ ﴾ [المائدة : ٩٢] أي فاعلموا أنكم لم تضروا بتوليكم الرسول لأنه ما كلف إلا البلاغ المبين بالآيات، وإنما ضررتم أنفسكم حين أعرضتم عما كلفتموه.
ونزل فيمن تعاطى شيئاً من الخمر والميسر قبل التحريم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٣١
﴿ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا ﴾ [المائدة : ٩٣] أي شربوا من الخمر وأكلوا من مال القمار قبل تحريمهما ﴿ إِذَا مَا اتَّقَوا ﴾ [المائدة : ٩٣] الشرك ﴿ وَّءامَنُوا ﴾ بالله ﴿ وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ ﴾ [البقرة : ٢٥] بعد الإيمان ﴿ ثُمَّ اتَّقَوا ﴾ [المائدة : ٩٣] الخمر والميسر بعد التحريم ﴿ وَّءامَنُوا ﴾ بتحريمهما ﴿ ثُمَّ اتَّقَوا ﴾ [المائدة : ٩٣] سائر المحرمات، أو الأول عن الشرك والثاني عن المحرمات والثالث عن الشبهات ﴿ وَّأَحْسَنُوا ﴾ إلى الناس ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران : ١٣٤].
ولما ابتلاهم الله بالصيد عام الحديبية وهم محرمون وكثر عندهم حتى كان يغشاهم في زحالهم فيستمكنون من صيده أخذاً بأيديهم وطعناً برماحهم نزل :
﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَىْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُا أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ ﴾ ومعنى يبلو يختبر وهو من الله لإظهار ما علم من العبد على ما علم لا لعلم ما لم يعلم، و " من " للتبعيض إذ لا يحرم كل صيد أو لبيان الجنس ﴿ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ﴾ [المائدة : ٩٤] ليعلم الله خوف الخائف منه بالامتناع عن الاصطياد موجوداً كما كان يعلم قبل وجوده أنه يوجد ليثيبه على عمله لا على علمه فيه ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى ﴾ [المائدة : ٩٤] فصاد
٤٣٤
﴿ بَعْدَ ذالِكَ ﴾ [الطلاق : ١] الابتلاء ﴿ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [البقرة : ١٧٨] قلل في قوله " بشيء " من الصيد ليعلم أنه ليس من الفتن العظام " وتناله " صفة لـ " شيء " ﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ ﴾ أي المصيد إذ القتل إنما يكون فيه ﴿ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ﴾ [المائدة : ١] أي محرمون جمع حرام كردح في جمع رداح في محل النصب على الحال من ضمير الفاعل في " تقتلوا " ﴿ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا ﴾ [المائدة : ٩٥] حال من ضمير الفاعل أي ذاكراً لإحرامه أو عالماً أن ما يقتله مما يحرم قتله عليه، فإن قتله ناسياً لإحرامه أو رمى صيداً وهو يظن أنه ليس بصيد فهو مخطىء.
وإنما شرط التعمد في الآية مع أن محظورات الإحرام يستوي فيها العمد والخطأ، لأن مورد الآية فيمن تعمد، فقد روي أنه عنّ لهم في عمرة الحديبية حمار وحش فحمل عليه أبو اليسر فقتله فقيل له : إنك قتلت الصيد وأنت محرم فنزلت.
ولأن الأصل فعل المتعمد والخطأ ملحق به للتغليظ.
وعن الزهري : نزل الكتاب بالعمد ووردت السنة بالخطأ.
﴿ فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ ﴾ [المائدة : ٩٥] كوفي أي فعليه جزاء يماثل ما قتل من الصيد وهو قيمة الصيد يقوّم حيث صيد، فإن بلغت قيمته ثمن هدي خيّر بين أن يهدي من النعم ما قيمته قيمة الصيد، وبين أن يشتري بقيمته طعاماً فيعطي كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعاً من غيره، وإن شاء صام عن طعام كل مسكين يوماً.
وعند محمدو الشافعي رحمهما الله تعالى مثله نظيره من النعم، فإن لم يوجد له نظير من النعم فكما مر.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٣١


الصفحة التالية
Icon