فجزاء مثل " على الإضافة : غيرهم.
وأصله فجزاء مثل ما قتل أي فعليه أن يجزي مثل ما قتل، ثم أضيف كما تقول " عجبت من ضرب زيداً ثم من ضرب زيد ".
﴿ مِنَ النَّعَمِ ﴾ [المائدة : ٩٥] حال من الضمير في " قتل " إذ المقتول يكون من النعم أو صفة لـ " جزاء " ﴿ يَحْكُمُ بِهِ ﴾ [المائدة : ٩٥] بمثل ما قتل ﴿ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ ﴾ [المائدة : ١٠٦] حكمان عادلان من المسلمين، وفيه دليل على أن المثل القيمة لأن التقويم مما يحتاج إلى النظر والاجتهاد دون الأشياء المشاهدة، ولأن المثل المطلق في الكتاب والسنة والإجماع مقيد بالصورة والمعنى، أو بالمعنى لا بالصورة، أو بالصورة بلا معنى، ولأن القيمة أريدت فيما لا مثل له
٤٣٥
صورة إجماعاً فلم يبق غيرها مراداً إذ لا عموم للمشترك.
فإن قلت : قوله " من النعم " ينافي تفسير المثل بالقيمة.
قلت : من أوجب القيمة خير بين أن يشتري بها هدياً أو طعاماً أو يصوم كما خير الله تعالى في الآية، فكان من النعم بياناً للهدي المشتري بالقيمة في أحد وجوه التخيير، لأن من قوم الصيد واشترى بالقيمة هدياً فأهداه فقد جزى بمثل ما قتل من النعم، على أن التخيير الذي في الآية بين أن يجزي بالهدي أو يكفر بالطعام أو الصوم، إنما يستقيم إذا قوم ونظر بعد التقويم أي الثلاثة يختار، فأما إذا عمد إلى النظير وجعله الواجب وحده من غير تخيير، فإذا كان شيئاً لا نظير له قوّم حينئذ ثم يخير بين الطعام والصيام، ففيه نبّو عما في الآية ألا ترى إلى قوله و ﴿ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَـاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَالِكَ صِيَامًا ﴾ [المائدة : ٩٥] كيف خير بين الأشياء الثلاثة ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتقويم ﴿ هَدْيَا ﴾ حال من الهاء في " به " أي يحكم به في حال الهدي ﴿ بَـالِغَ الْكَعْبَةِ ﴾ [المائدة : ٩٥] صفة لـ " هدياً " لأن إضافته غير حقيقية.
ومعنى بلوغه الكعبة أن يذبح بالحرم، فأما التصدق به فحيث شئت.
وعند الشافعي رحمه الله : في الحرم ﴿ أَوْ كَفَّارَةٌ ﴾ [المائدة : ٩٥] معطوف على " جزاء " ﴿ طَعَامُ ﴾ بدل من " كفارة " أو خبر مبتدأ محذوف أي هي طعام.
" أو كفارة طعام " على الإضافة : مدني وشامي.
وهذه الإضافة لتبيين المضاف كأنه قيل : أو كفارة من طعام ﴿ مَسَـاكِينَ ﴾ كما تقول " خاتم فضة " أي خاتم من فضة ﴿ أَوْ عَدْلُ ﴾ [المائدة : ٩٥] وقرىء بكسر العين.
قال الفراء : العدل ما عادل الشيء من غير جنسه كالصوم والإطعام، والعدل مثله من جنسه ومنه " عدلا الحمل ".
يقال " عندي غلام عدل غلامك " بالكسر إذا كان من جنسه، فإن أريد أن قيمته كقيمته ولم يكن من جنسه قيل " هو عدل غلامك " بالفتح ﴿ ذَالِكَ ﴾ إشارة إلى الطعام ﴿ صِيَامًا ﴾ تمييز نحو " لي مثله رجلاً " والخيار في ذلك إلى القاتل، وعند محمد رحمه الله إلى الحكمين ﴿ لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ﴾ [المائدة : ٩٥] متعلق بقوله " فجزاء " أي فعليه أن يجازي أو يكفر ليذوق سوء عقاب عاقبة هتكه لحرمة الإحرام.
والوبال المكروه والضرر الذي ينال في العاقبة من عمل سوء لثقله عليه من قوله تعالى :﴿ فَأَخَذْنَـاهُ أَخْذًا وَبِيلا ﴾ [المزمل : ١٦] (المزمل : ٦١) أي ثقيلاً شديداً.
والطعام الوبيل الذي يثقل على المعدة فلا يستمرأ.
﴿ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ ﴾ [المائدة : ٩٥] لكم من الصيد قبل التحريم ﴿ وَمَنْ عَادَ ﴾ [البقرة : ٢٧٥] إلى قتل الصيد بعد التحريم أو في ذلك الإحرام ﴿ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ﴾ [المائدة : ٩٥] بالجزاء وهو خبر مبتدأ محذوف تقديره فهو ينتقم الله منه ﴿ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ﴾ [البقرة : ٢٢٨] بإلزام الأحكام ﴿ ذُو انتِقَامٍ ﴾ [آل عمران : ٤] لمن جاوز حدود الإسلام.
٤٣٦
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٣١
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٣٧