من زعم أن الشرط انتفاء فعلانة إذ ليس له فعلانة، ومن زعم أن الشرط وجود فعلي صرفه إذ ليس له فعلى، والأول الوجه ﴿ الْحَمْدُ ﴾ الوصف بالجميل على جهة التفضيل، وهو رفع بالابتداء وأصله النصب.
وقد قرىء بإضمار فعله على أنه من المصادر المنصوبة بأفعال مضمرة في معنى الإخبار كقولهم شكراً وكفراً.
والعدول عن النصب إلى الرفع للدلالة على ثبات المعنى واستقراره والخبر.
﴿ لِّلَّهِ ﴾ واللام متعلق بمحذوف أي واجب أو ثابت.
وقيل : الحمد والمدح أخوان وهو الثناء والنداء على الجميل من نعمة وغيرها.
تقول : حمدت الرجل على إنعامه وحمدته على شجاعته وحسبه، وأما الشكر فعلى النعمة خاصة وهو بالقلب واللسان والجوارح قال :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٩
أفادتكم النعماء مني ثلاثة
يدي ولساني والضمير المحجبا
أي القلب، والحمد باللسان وحده وهو إحدى شعب الشكر ومنه الحديث " الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لم يحمده " وجعله رأس الشكر لأن ذكر النعمة باللسان أشيع لها من الاعتقاد وآداب الجوارح لخفاء عمل القلب وما في عمل الجوارح من الاحتمال، ونقيض الحمد الذم ونقيض الشكر الكفران.
وقيل : المدح ثناء على ما هو له من أوصاف الكمال ككونه باقياً قادراً عالماً أبدياً أزلياً، والشكر ثناء على ما هو منه من أوصاف الإفضال والحمد يشملهما.
والألف واللام فيه للإستغراق عندنا خلافاً للمعتزلة، ولذا قرن باسم الله لأنه اسم ذات فيستجمع صفات الكمال وهو بناء على مسألة خلق الأفعال وقد حققته في مواضع.
﴿ رَبِّ الْعَـالَمِينَ ﴾ [الفاتحة : ٢] الرب المالك ومنه قول صفوان
٣٣
لأبي سفيان : لأن يربني رجل من قريش أحب إليّ من أن يربني رجل من هوازن.
تقول ربه يربه رباً فهو رب، ويجوز أن يكون وصفاً بالمصدر للمبالغة كما وصف بالعدل.
ولم يطلقوا الرب إلاّ في الله وحده وهو في العبيد مع التقييد ﴿ إِنَّهُ رَبِّى أَحْسَنَ مَثْوَاىَ ﴾ [يوسف : ٢٣] (يوسف : ٣٢) ﴿ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ ﴾ [يوسف : ٥٠] (يوسف : ٠٥)، وقال الواسطي : هو الخالق ابتداء، والمربي غذاء، والغافر انتهاء.
وهو اسم الله الأعظم والعالم كل ما علم به الخالق من الأجسام والجواهر والأعراض، أو كل موجود سوى الله تعالى سمي به لأنه علم على وجوده.
وإنما جمع بالواو والنون مع أنه يختص بصفات العقلاء أو ما في حكمها من الأعلام لما فيه من معنى الوصقية وهي الدلالة على معنى العلم.
﴿ الرَّحْمَـانِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة : ١] ذكرهما قد مر وهو دليل على أن التسمية ليست من الفاتحة إذ لو كانت منها لما أعادهما لخلو الإعادة عن الإفادة.
﴿ مُلْكُ ﴾ : عاصم وعليّ ملك : غيرهما وهو الاختيار عند البعض لاستغنائه عن الإضافة ولقوله :﴿ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ﴾ [غافر : ١٦] (غافر : ٦١) ولأن كل ملك مالك وليس كل مالك ملكاً، ولأن أمر الملك ينفذ على المالك دون عكسه.
وقيل : المالك أكثر ثواباً لأنه أكثر حروفاً.
وقرأ أبو حنيفة والحسن رضي الله عنهما ملك ﴿ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة : ٤] أي يوم الجزاء ويقال كما تدين تدان أي كما تفعل تجازى، وهذه إضافة اسم الفاعل إلى
٣٤
الظرف على طريق الاتساع كقولهم :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٩
يا سارق الليلة أهل الدار


الصفحة التالية
Icon