﴿ يُخَـادِعُونَ اللَّهَ ﴾ [البقرة : ٩] أي رسول الله صلى الله عليه وسلّمفحذف المضاف كقوله ﴿ وَسْـاَلِ الْقَرْيَةَ ﴾ [يوسف : ٨٢] (يوسف : ٢٨) كذا قاله أبو علي رحمه الله وغيره، أي يظهرون غير ما في أنفسهم.
فالخداع إظهار غير ما في النفس، وقد رفع الله منزلة النبي صلى الله عليه وسلّم حيث جعل خداعه خداعه وهو كقوله :﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾ [الفتح : ١٠] (الفتح : ٠١) وقيل : معناه يخادعون الله في زعمهم لأنهم يظنون أن الله ممن يصح خداعه، وهذا المثال يقع كثيراً لغير اثنين نحو قولك " عاقبت اللص ".
وقد قرىء " يخدعون الله " وهو بيان ليقول أو مستأنف كأنه قيل : ولم يدعون الإيمان كاذبين وما منفعتهم في ذلك؟ قيل : يخادعون الله، ومنفعتهم في ذلك متاركتهم عن المحاربة التي كانت مع من سواهم من الكفار واجراء أحكام المؤمنين عليهم ونيلهم من الغنائم وغير ذلك.
قال صاحب الوقوف : الوقف لازم على بمؤمنين لأنه لو وصل لصار التقدير وما هم بمؤمنين مخادعين فينتفي الوصل كقولك " ما هو برجل كاذب " والمراد نفي الإيمان عنهم وإثبات الخداع لهم.
ومن جعل يخادعون حالاً من الضمير في يقول والعامل فيها يقول والتقدير يقول آمنا بالله مخادعين أو حالاً من الضمير في بمؤمنين والعامل فيها اسم الفاعل والتقدير وما هم بمؤمنين في حال خداعهم لا يقف والوجه الأول :﴿ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ [البقرة : ١٦٥] أي يخادعون رسول الله والمؤمنين بإظهار الإيمان وإضمار الكفر.
﴿ وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنفُسَهُمْ ﴾ [البقرة : ٩] أي وما يعاملون تلك المعاملة المشبهة بمعاملة المخادعين إلا أنفسهم، لأن ضررها يلحقهم.
وحاصل خداعهم وهو العذاب في الآخرة يرجع إليهم فكأنهم خدعوا أنفسهم وما يخادعون.
أبو عمرو ونافع ومكي للمطابقة وعذر الأولين أن خدع وخادع هنا بمعنى واحد، والنفس ذات
٥٢
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٨
الشيء وحقيقته.
ثم قيل للقلب والروح النفس لأن النفس بهما، وللدم نفس لأن قوامها بالدم، وللماء نفس لفرط حاجتها إليه، والمراد بالأنفس هاهنا ذواتهم، والمعنى بمخادعتهم ذواتهم أن الخداع لاصق بهم لا يعدوهم إلى غيرهم.
﴿ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة : ٩] أن حاصل خداعهم يرجع إليهم والشعور علم الشيء علم حس من الشعار وهو ثوب يلي الجسد، ومشاعر الإنسان حواسه لأنها آلات الشعور، والمعنى أن لحوق ضرر ذلك بهم كالمحسوس وهم، لتمادي غفلتهم كالذي لا حس له.
﴿ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ﴾ [محمد : ٢٩] أي شك ونفاق لأن الشك تردد بين الأمرين والمنافق متردد.
في الحديث مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين والمريض متردد بين الحياة والموت، ولأن المرض ضد الصحة والفساد يقابل الصحة فصار المرض اسماً لكل فساد والشك والنفاق فساد في القلب.
﴿ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ﴾ [البقرة : ١٠] أي ضعفاً عن الانتصار وعجزاً عن الاقتدار.
وقيل : المراد به خلق النفاق في حالة البقاء بخلق أمثاله كما عرف في زيادة الإيمان.
﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [البقرة : ١٧٤] فعيل بمعنى مفعل أي مؤلم ﴿ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [البقرة : ١٠] كوفي.
أي بكذبهم في قولهم : آمنا بالله وباليوم الآخر، فما مع الفعل بمعنى المصدر، والكذب الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو به يكذبون غيرهم أي بتكذيبهم النبي عليه السلام فيما جاء به.
وقيل : هو مبالغة في كذب كما بولغ في صدق فقيل صدق ونظيرهما بأن الشأ وبين.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٨
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ﴾ [البقرة : ٩١] معطوف على يكذبون ويجوز أن يعطف على يقول آمنا لأنك لو قلت ومن الناس من إذا قيل لهم ﴿ لا تُفْسِدُوا فِى الارْضِ ﴾ [البقرة : ١١] لكان صحيحاً، والفساد خروج الشيء عن حال استقامته وكونه منتفعاً به، وضده الصلاح وهو الحصول على الحال المستقيمة النافعة.
والفساد في الأرض هيج الحروب والفتن لأن في ذلك فساد ما في الأرض وانتفاء الاستقامة عن أحوال الناس والزروع والمنافع الدينية والدنيوية، وكان فساد
٥٣


الصفحة التالية
Icon