﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِى اسْتَوْقَدَ نَارًا ﴾ لما جاء بحقيقة صفتهم عقبها بضرب
٥٧
المثل زيادة في الكشف وتتميماً للبيان، ولضرب الأمثال في إبراز خفيات المعاني ورفع الأستار عن الحقائق تأثير ظاهر، ولقد كثر ذلك في الكتب السماوية ومن سور الإنجيل سورة الأمثال.
والمثل في أصل كلامهم هو المثل وهو النظير.
يقال : مثل ومثل ومثيل كشبه وشبه وشبيه، ثم قيل للقول السائر الممثل مضربه بمورده مثل ولم يضربوا مثلاً إلا قولاً فيه غرابة ولذا حوفظ عليه فلا يغير.
وقد استعير المثل للحال أو الصفة أو القصة إذا كان لها شأن وفيها غرابة كأنه قيل : حالهم العجيبة الشأن كحال الذي استوقد ناراً، وكذلك قوله ﴿ مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِى وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ﴾ [الرعد : ٣٥] (الرعد : ٥٣) أي فيما قصصنا عليك من العجائب قصة الجنة العجيبة الشأن، ثم أخذ في بيان عجائبها ولله المثل الأعلى أي الوصف الذي له شأن من العظمة والجلالة ووضع الذي موضع الذين كقوله ﴿ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا ﴾ [التوبة : ٦٩] (التوبة : ٩٦) فلا يكون تمثيل الجماعة بالواحدة، أو قصد جنس المستوقدين، أو أريد الفوج الذي استوقد ناراً على أن ذوات المنافقين لم يشبهوا بذات المستوقد حتى يلزم منه تشبيه الجماعة بالواحد إنما شبهت قصتهم بقصة المستوقد.
ومعنى استوقد أوقد، ووقود ووقود النار سطوعها، والنار جوهر لطيف مضيء حار محرق، واشتقاقها من نار ينور إذا نفر لأن فيها حركة واضطراباً.
﴿ فَلَمَّآ أَضَآءَتْ مَا حَوْلَهُ ﴾ [البقرة : ١٧] الإضاءة فرط الإنارة ومصداقه قوله ﴿ هُوَ الَّذِى جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَآءً وَالْقَمَرَ نُورًا ﴾ [يونس : ٥] (يونس : ٥) وهي في الآية متعدية، ويحتمل أن تكون غير متعدية مسندة إلى ما حوله، والتأنيث للحمل على المعنى لأن ما حول المستوقد أماكن وأشياء.
وجواب فلما
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٧
﴿ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ﴾ [البقرة : ١٧] وهو ظرف زمان والعامل فيه جوابه مثل " إذا ".
وما موصولة وحوله نصب على الظرف أو نكرة موصوفة والتقدير : فلما أضاءت شيئاً ثابتاً حوله.
وجمع الضمير وتوحيده للحمل على اللفظ تارة وعلى المعنى أخرى.
والنور ضوء النار وضوء كل نير، ومعنى أذهبه أزاله وجعله ذاهباً، ومعنى ذهب به استصحبه ومضى به.
والمعنى أخذ بنورهم وأمسكه وما يمسك فلا مرسل له فكان أبلغ من الإذهاب.
ولم يقل ذهب الله
٥٨