ظلمات " ففيه خلاف بين الأخفش وسيبويه.
والرعد : الصوت الذي يسمع من السحاب لاصطكاك أجرامه، أو ملك يسوق السحاب.
والبرق الذي يلمع من السحاب من برق الشيء بريقاً إذا لمع، والضمير في فيه يعود إلى الصيب فقد جعل الصيب مكاناً للظلمات، فإن أريد به السحاب فظلماته ـــــ إذا كان أسحم مطبقاً، ظلمتا سحمته وتطبيقه مضمومة إليهما ظلمة الليل.
وأما ظلمات المطر فظلمة تكاثفه بتتابع القطر وظلمة أظلال غمامه مع ظلمة الليل.
وجعل الصيب مكاناً للرعد والبرق على إرادة السحاب به ظاهر، وكذا إن أريد به المطر لأنهما ملتبسان به في الجملة.
ولم يجمع الرعد والبرق لأنهما مصدران في الأصل، يقال رعدت السماء رعداً وبرقت برقاً فروعي حكم الأصل بأن ترك جمعهما.
ونكرت هذه الأشياء لأن المراد أنواع منها كأنه قيل فيه ظلمات داجية ورعد قاصف وبرق خاطف.
﴿ يَجْعَلُونَ أَصَـابِعَهُمْ فِى ﴾ الضمير لأصحاب الصيب وإن كان محذوفاً كما في قوله ﴿ هُمْ قَآ ـاِلُونَ ﴾ (الأعراف : ٤) لأن المحذوف باقٍ معناه وإن سقط لفظه.
ولا محل لـ " يجعلون " لكونه مستأنفاً لأنه لما ذكر الرعد والبرق على ما يؤذن بالشدة والهول فكأن قائلاً قال : فكيف حالهم مع مثل ذلك الرعد؟ فقيل : يجعلون أصابعهم في آذانهم.
ثم قال : فكيف حالهم مع مثل ذلك البرق؟ فقال : يكاد البرق يخطف أبصارهم.
وإنما ذكر الأصابع ولم يذكر الأنامل ورؤوس الأصابع هي التي تجعل في الأذان اتساعاً كقوله ﴿ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ﴾ [المائدة : ٣٨] (المائدة : ٨٣) والمراد إلى الرسغ، ولأن في ذكر الأصابع من المبالغة ما ليس في ذكر الأنامل.
وإنما لم يذكر الأصبع الخاص الذي تسد به الأذن لأن السبابة فعالة من السب فكان اجتنابها أولى بآداب القرآن، ولم يذكر المسبحة لأنها مستحدثة غير مشهورة.
﴿ مِّنَ الصَّوَاعِقِ ﴾ [البقرة : ١٩] متعلق بـ " يجعلون " أي من أجل الصواعق يجعلون أصابعهم في آذانهم.
والصاعقة قصفة رعد تنقض معها شقة من نار.
قالوا : تنقدح من السحاب إذا اصطكت أجرامه، وهي نار لطيفة حديدة لا تمر بشيء إلا أتت عليه إلا أنها مع حدتها سريعة الخمود.
يحكى أنها سقطت على نخلة فأحرقت نحو نصفها ثم طفئت.
ويقال : صعقته الصاعقة إذا أهلكته فصعق أي مات إما بشدة الصوت أو بالإحراق
٦٢
﴿ حَذَرَ الْمَوْتِ ﴾ [البقرة : ٢٤٣] مفعول له، والموت فساد بنية الحيوان أو عرض لا يصح معه إحساس معاقب للحياة ﴿ وَاللَّهُ مُحِيطُ بِالْكَـافِرِينَ ﴾ [البقرة : ١٩] يعني أنهم لا يفوتونه كما لا يفوت المحاط به المحيط فهو مجاز وهذه الجملة اعتراض لا محل لها.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٧
﴿ يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَـارَهُمْ ﴾ [البقرة : ٢٠] الخطف الأخذ بسرعة، و " كاد " يستعمل لتقريب الفعل جداً، وموضع يخطف نصب لأنه خبر " كاد ".
﴿ كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُم ﴾ [البقرة : ٢٠] " كل " ظرف و " ما " نكرة موصوفة معناها الوقت، والعائد محذوف أي كل وقت أضاء لهم فيه، والعامل فيه جوابها وهو ﴿ مَّشَوْا فِيهِ ﴾ [البقرة : ٢٠] أي في ضوئه وهو استئناف ثالث كأنه جواب لمن يقول : كيف يصنعون في تارتي خفوق البرق وخفيته؟ وهذا تمثيل لشدة الأمر على المنافقين بشدته على أصحاب الصيب وما هم فيه من غاية التحير والجهل بما يأتون وما يذرون إذا صادفوا من البرق خفقة مع خوف أن يخطف أبصارهم انتهزوا تلك الخفقة فرصة فخطوا خطوات يسيرة، فإذا خفي وفتر لمعانه بقوا واقفين.
و " أضاء " معتدٍ كلما نور لهم ممشى ومسلكاً أخذوه، والمفعول محذوف.
أو غير متعدٍ أي كلما لمع لهم مشوا في مطرح نوره.
والمشي جنس الحركة المخصوصة فإذا اشتد فهو سعي فإذا ازداد فهو عدوٌ.
﴿ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ ﴾ [البقرة : ٢٠] " أظلم " غير متعدٍ وذكر مع أضاء كلما ومع أظلم إذا لأنهم حراص على وجود ما همهم به معقود من إمكان المشي، فكلما صادفوا منه فرصة انتهزوها ولا كذلك التوقف.
﴿ قَامُوا ﴾ وقفوا وثبتوا في مكانهم ومنه قام الماء إذا جمد.
﴿ وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ ﴾ [البقرة : ٢٠] بقصيف الرعد ﴿ وَأَبْصَـارِهِمْ ﴾ بوميض البرق.
ومفعول شاء محذوف لدلالة الجواب عليه أي ولو شاء الله أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لذهب بهما ولقد تكاثر هذا الحذف في " شاء " وأراد لا يكادون يبرزون المفعول إلا في الشيء المستغرب كنحو قوله :