﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ [البقرة : ٢٥] والمأمور بقوله " وبشر " الرسول عليه السلام أو كل أحد، وهذا أحسن لأنه يؤذن بأن الأمر لعظمة وفخامة شأنه محقوق بأن يبشر به كل من قدر على البشارة به.
وهو معطوف على " فاتقوا " كما تقول يا بني تميم احذروا عقوبة ما جنيتم وبشر يا فلان بني أسد بإحساني إليهم.
أو جملة وصف ثواب المؤمنين معطوفة على جملة وصف عقاب الكافرين كقولك " زيد يعاقب بالقيد والإرهاق وبشر عمراً بالعفو والإطلاق ".
والبشارة الإخبار بما يظهر سرور المخبر به ومن ثم قال العلماء : إذا قال لعبيده : أيكم بشرني بقدوم فلان فهو حر.
فبشروه فرادى عتق أولهم لأنه هو الذي أظهر سروره بخبره دون الباقين.
ولو قال :" أخبرني " مكان " بشرني " عتقوا جميعاً، لأنهم أخبروه، ومنه البشرة لظاهر الجلد، وتباشير الصبح ما ظهر من أوائل ضوئه.
وأما فبشرهم بعذاب أليم فمن العكس في الكلام الذي يقصد به الاستهزاء الزائد في غيظ المستهزأ به كما يقول الرجل لعدوه أبشر بقتل ذريتك ونهب مالك.
والصالحة نحو الحسنة في جريها مجرى الاسم.
والصالحات كل ما استقام من الأعمال بدليل العقل والكتاب والسنة واللام للجنس.
والآية حجة على من جعل الأعمال إيماناً لأنه عطف الأعمال الصالحة على الإيمان والمعطوف غير المعطوف عليه.
ولا يقال إنكم تقولون يجوز أن يدخل المؤمن الجنة بدون الأعمال الصالحة والله تعالى بشر بالجنة لمن آمن وعمل صالحاً، لأن البشارة المطلقة بالجنة شرطها اقتران الأعمال الصالحة بالإيمان، ولا نجعل لصاحب الكبيرة البشارة المطلقة بل نثبت بشارة مقيدة بمشيئة الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه بقدر ذنوبه ثم يدخله
٧٠
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧٠
الجنة.
﴿ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ﴾ [البقرة : ٢٥] أي بأن لهم جنات.
وموضع " أن " وما عملت فيه النصب بـ " بشّر " عند سيبويه خلافاً للخليل وهو كثير في التنزيل.
والجنة البستان من النخل والشجر المتكاثف، والتركيب دائر على معنى الستر ومنه الجن والجنون والجنين والجنة والجان والجنان، وسميت دار الثواب جنة لما فيها من الجنان.
والجنة مخلوقة لقوله تعالى :﴿ وَقُلْنَا يَااَادَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَاذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ (البقرة : ٥٣) خلافاً لبعض المعتزلة.
ومعنى جمع الجنة وتنكيرها أن الجنة اسم لدار الثواب كلها وهي مشتملة على جنان كثيرة مرتبة مراتب بحسب أعمال العاملين لكل طبقة منهم جنات من تلك الجنان.
﴿ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَارُ ﴾ [الرعد : ٣٥] الجملة في موضع النصب صفة لجنات، والمراد من تحت أشجارها كما ترى الأشجار النابتة على شواطىء الأنهار الجارية.
وأنهار الجنة تجري في غير أخدود.
وأنزه البساتين ما كانت أشجارها مظلة والأنهار في خلالها مطردة والجري الأطراد.
والنهر المجرى الواسع فوق الجدول ودون البحر يقال للنيل : نهر مصر، واللغة الغالة نهر ومدار التركيب على السعة، وإسناد الجري إلى الأنهار مجازي.
وإنما عرف الأنهار لأنه يحتمل أن يراد بها أنهارها فعوض التعريف باللام من تعريف الإضافة كقوله تعالى :﴿ وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ﴾ [مريم : ٤] (مريم : ٤)، أو يشار باللام إلى الأنهار المذكورة في قوله تعالى :﴿ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ ﴾ [محمد : ١٥] (محمد : ٥١)، الآية والماء الجاري من النعمة العظمى واللذة الكبرى ولذا قرن الله تعالى الجنات بذكر الأنهار الجارية وقدمه على سائر نعوتها.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧٠