﴿ كُلَّمَا رُزِقُوا ﴾ [البقرة : ٢٥] صفة ثانية لـ " جنات " أو جملة مستأنفة لأنه لما قيل إن لهم جنات لم يخل خلد السامع أن يقع فيه أثمار تلك الجنات أشباه ثمار جنات الدنيا أم أجناس أخر لا تشابه هذه الأجناس فقيل : إن ثمارها أشباه ثمار جنات الدنيا أي أجناسها وإن تفاوتت إلى غاية لا يعلمها إلا الله.
﴿ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قَالُوا هَـاذَا الَّذِى ﴾ [البقرة : ٢٥] أي كلما رزقوا من الجنات، من أي ثمرة كانت من تفاحها أو رمانها أو غير ذلك، رزقاً قالوا ذلك.
فـ " من " الأولى والثانية كلتاهما لابتداء الغاية لأن الرزق قد ابتدىء من الجنات والرزق من الجنات قد ابتدىء من ثمرة، ونظيره أن تقول : رزقني
٧١
فلان فيقال لك : من أين؟ فتقول : من بستانه.
فيقال : من أي ثمرة رزقك من بستانه؟ فتقول : من الرمان.
وليس المراد من الثمرة التفاحة الواحدة أو الرمانة الفذة وإنما المراد نوع من أنواع الثمار.
﴿ رُزِقْنَا ﴾ أي رزقناه فحذف العائد ﴿ مِن قَبْلِ ﴾ [يوسف : ٦] أي من قبل هذا، فلما قطع عن الإضافة بنى، والمعنى هذا مثل الذي رزقنا من قبل وشبهه بدليل قوله ﴿ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَـابِهًا ﴾ [البقرة : ٢٥] وهذا كقولك " أبو يوسف أبو حنيفة " تريد أنه لاستحكام الشبه كأن ذاته ذاته.
والضمير في به يرجع إلى المرزوق في الدنيا والآخرة جميعاً لأن قوله هذا الذي رزقنا من قبل انطوى تحته ذكر ما رزقوه في الدارين، وإنما كان ثمار الجنة مثل ثمار الدنيا ولم تكن أجناساً أخر، لأن الإنسان بالمألوف آنس وإلى المعهود أميل، وإذا رأى ما لم يألفه نفر عنه طبعه وعافته نفسه، ولأنه إذا شاهد ما سلف له به عهد ورأى فيه مزية ظاهرة وتفاوتاً بيناً كان استعجابه به أكثر واستغرابه أوفر.
وتكريرهم هذا القول عند كل ثمرة يرزقونها دليل على تناهي الأمر وتمادي الحال في ظهور المزية، وعلى أن ذلك التفاوت العظيم هو الذي يستملي تعجبهم في كل أوان أو إلى الرزق كما أن هذا إشارة إليه، والمعنى أن ما يرزقونه من ثمرات الجنة يأتيهم متجانساً في نفسه كما يحكى عن الحسن : يؤتى أحدهم بالصحفة فيأكل منها ثم يؤتى بالأخرى فيقول : هذا الذي أتينا به من قبل فيقول الملك : كل، فاللون واحد والطعم مختلف.
وعنه عليه السلام : والذي نفس محمد بيده إن الرجل من أهل الجنة ليتناول الثمرة ليأكلها فما هي بواصلة إلى فيه حتى يبدلها الله مكانها مثلها فإذا أبصروها والهيئة هيئة الأولى قالوا ذلك وقوله : وأتوا به متشابهاً جملة معترضة للتقرير كقولك " فلان أحسن بفلان ونعم ما فعل " ورأى من الرأي كذا وكان صواباً، ومنه
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧٠
﴿ وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً وَكَذَالِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ [النمل : ٣٤] (النمل : ٤٣).
﴿ وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ ﴾ [البقرة : ٢٥] أزواج مبتدأ ولهم الخبر وفيها ظرف للإستقرار.
﴿ مُّطَهَّرَةٌ ﴾ من مساوى الأخلاق، لا طمحات ولا مرحات، أو مما يختص بالنساء بالحيض والاستحاضة وما لا يختص بهن من البول والغائط وسائر الأقذار والأدناس.
ولم تجمع الصفة كالموصوف لأنهما لغتان فصيحتان، ولم يقل طاهرة لأن ﴿ مُّطَهَّرَةٌ ﴾ أبلغ لأنها تكون للتكثير، وفيها إشعار بأن مطهّراً طهرهن وما ذلك إلا الله عز وجل.
﴿ وَهُمْ فِيهَا خَـالِدُونَ ﴾ [البقرة : ٢٥] الخلد والخلود البقاء الدائم
٧٢