جزء : ١ رقم الصفحة : ٧٠
الذي و " ما " استفهاماً فيكون كلمتين، وأن تكون " ذا " مركبة مع " ما " مجعولتين اسماً واحداً للاستفهام فيكون كلمة واحدة، فـ " ما " على الأول رفع بالابتداء وخبره " ذا " مع صلته أي أراد، والعائد محذوف.
وعلى الثاني منصوب المحل بـ " أراد " والتقدير : أي شيء أراد الله.
والإرادة مصدر أردت الشيء إذا طلبته نفسك ومال إليه قلبك، وهي عند المتكلمين معنى يقتضي تخصيص المفعولات بوجه دون وجه، والله تعالى موصوف بالإرادة على الحقيقة عند أهل السنة.
وقال معتزلة بغداد : إنه تعالى لا يوصف بالإرادة على الحقيقة.
فإذا قيل أراد الله كذا فإن كان فعله فمعناه أنه فعل وهو غير ساهٍ ولا مكره عليه، وإن كان فعل غيره فمعناه أنه أمر به.
﴿ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ﴾ [البقرة : ٢٦] جارٍ مجرى التفسير والبيان للجملتين المصدرتين بـ " أما "، وأن فريق العالمين بأنه الحق وفريق الجاهلين المستهزئين به كلاهما موصوف بالكثرة، وأن العلم بكونه حقاً من باب الهدى، وأن الجهل بحسن مورده من باب الضلالة.
وأهل الهدى كثير في أنفسهم وإنما يوصفون بالقلة بالقياس إلى أهل الضلال، ولأن القليل من المهتدين كثير في الحقيقة وإن قلوا في الصورة.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧٠
إن الكرام كثير في البلاد وإن
قلوا كما غيرهم قل وإن كثروا
والإضلال : خلق فعل الضلال في العبد، والهداية خلق فعل الاهتداء، هذا هو الحقيقة عند أهل السنة، وسياق الآية لبيان أن ما استنكره الجهلة من الكفار واستغربوه من أن تكون المحقرات من الأشياء مضروباً بها المثل ليس بموضع الاستنكار والاستغراب لأن التمثيل إنما يصار إليه لما فيه من كشف المعنى وإدناء المتوهم من المشاهد.
فإن كان المتمثل له عظيماً كان المتمثل به كذلك، وإن كان حقيراً كان المتمثل به كذلك، ألا ترى أنه الحق لما كان واضحاً جلياً تمثل له بالضياء والنور، وأن الباطل لما كان بضد صفته تمثل له بالظلمة، ولما كانت حال الآلهة التي جعلها الكفار أنداداً لله لا حال أحقر منها وأقل، ولذلك جعل بيت العنكبوت مثلها في الضعف والوهن، وجعلت أقل من الذباب وضربت لها البعوضة؟ فالذي دونها مثلاً ـــــ لم يستنكر ولم يستبدع ولم يقل للمتمثل استحى من تمثيلها بالبعوضة لأنه مصيب في تمثيله، محق في قوله، سائق للمثل على قضية مضربه، ولبيان أن المؤمنين الذين عادتهم الإنصاف والنظر في الأمور يناظر العقل إذا سمعوا بهذا التمثيل علموا أن
٧٥
الحق، وأن الكفار الذين غلب الجهل على عقولهم إذا سمعوه كابروا وعاندوا وقضوا عليه بالبطلان وقابلوه بالإنكار، وأن ذلك سبب هدى المؤمنين وضلال الفاسقين.
والعجب منهم كيف أنكروا ذلك وما زال الناس يضربون الأمثال بالبهائم والطيور وخشاش الأرض فقالوا : أجمع من ذرة، وأجرأ من الذباب، وأسمع من قرد، وأضعف من فراشة، وآكل من السوس، وأضعف من البعوضة، وأعز من مخ البعوض، ولكن ديدن المحجوج والمبهوت أن يرضى لفرط الحيرة بدفع الواضح وإنكار اللائح.
﴿ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَـاسِقِينَ ﴾ [البقرة : ٢٦] هو مفعول يضل وليس بمنصوب على الاستثناء لأن يضل لم يستوف مفعوله.
والفسق : الخروج عن القصد.
والفاسق في الشريعة : الخارج عن الأمر بارتكاب الكبيرة وهو النازل بين المنزلتين أي بين منزلة المؤمن والكافر عند المعتزلة وسيمر عليك ما يبطله إن شاء الله.
﴿ الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ ﴾ [البقرة : ٢٧] النقض : الفسخ وفك التركيب.
والعهد : الموثق.
والمراد بهؤلاء الناقضين لعهد الله أحبار اليهود المتعنتون أو منافقوهم أو الكفار جميعاً.
وعهد الله ما ركز في عقولهم من الحجة على التوحيد كأنه أمر وصاهم به ووثقه عليهم، أو أخذ الميثاق عليهم بأنهم إذا بعث إليهم رسول يصدقه الله بمعجزاته صدقوه واتبعوه ولم يكتموا ذكره، أو أخذ الله العهد عليهم أن لا يسفكوا دماءهم ولا يبغي بعضهم على بعض ولا يقطعوا أرحامهم.
وقيل : عهد الله إلى خلقه ثلاثة عهود : العهد الأول الذي أخذه على جميع ذرية آدم عليه السلام بأن يقروا بربوبيته وهو قوله تعالى :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧٠