﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَـائكَةِ ﴾ [الحجر : ٢٨] " إذ " نصب بإضمار " اذكر ".
والملائكة جمع ملأك كالشمائل جمع شمال وإلحاق التاء لتأنيث الجمع.
﴿ إِنِّي جَاعِلٌ ﴾ [البقرة : ٣٠] أي مصير من جعل الذي له مفعولان وهما ﴿ فِى الارْضِ خَلِيفَةً ﴾ [البقرة : ٣٠] وهو من يخلف غيره " فعيلة " بمعنى " فاعلة وزيدت الهاء للمبالغة والمعنى : خليفة منكم لأنهم كانوا سكان الأرض فخلفهم فيها آدم وذريته.
ولم يقل خلائف أو خلفاء لأنه أريد بالخليفة آدم.
واستغنى بذكره عن ذكر بنيه كما تستغني بذكر أبي القبيلة في قولك " مضر وهاشم "، أو أريد من يخلفكم أوخلقاً يخلفكم فوحد لذلك، أو خليفة مني لأن آدم كان خليفة الله في أرضه وكذلك كل نبي، قال الله تعالى :﴿ يادَاوُادُ إِنَّا جَعَلْنَـاكَ خَلِيفَةً فِى الارْضِ ﴾ (ص : ٦٢)، وإنما أخبرهم بذلك ليسألوا ذلك السؤال ويجابوا بما أجيبوا به فيعرفوا حكمته في استخلافهم قبل كونهم، أو ليعلّم عباده المشاورة في أمورهم قبل أن يقدموا عليها وإن كان هو بعلمه وحكمته البالغة غنياً عن المشاورة.
﴿ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا ﴾ [البقرة : ٣٠] تعجب من أن يستخلف مكان أهل الطاعة أهل المعصية وهو الحكيم الذي لا يجهل، وإنما عرفوا ذلك بإخبار من الله تعالى، أو من جهة اللوح أو قاسوا أحد الثقلين على الآخر.
﴿ وَيَسْفِكُ الدِّمَآءَ ﴾ [البقرة : ٣٠] أي يصب.
والواو في ﴿ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ ﴾ [البقرة : ٣٠] للحال كما تقول : أتحسن إلى فلان وأنا أحق منه بالإحسان؟ ﴿ بِحَمْدِكَ ﴾ في موضع الحال أي نسبح حامدين لك ومتلبسين بحمدك كقوله تعالى :﴿ وَقَد دَّخَلُوا بِالْكُفْرِ ﴾ [المائدة : ٦١] (المائدة : ١٦)، أي دخلوا كافرين.
﴿ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾ [البقرة : ٣٠] ونطهر أنفسنا لك.
وقيل : التسبيح والتقديس تبعيد الله من السوء من سبح في الأرض وقدس فيها إذا ذهب فيها وأبعد.
﴿ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة : ٣٠] أي أعلم من الحكم في ذلك ما هو خفي عليكم يعني يكون فيهم الأنبياء والأولياء والعلماء.
و " ما " بمعنى " الذي " وهو مفعول أعلم والعائد محذوف أي ما لا
٧٩
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧٧
تعلمونه.
إنى حجازي وأبو عمرو.
﴿ وَعَلَّمَ ءَادَمَ ﴾ [البقرة : ٣١] هو اسم أعجمي وأقرب أمره أن يكون على فاعل كآزو واشتقاقهم آدم من أديم الأرض أو من الأدمة كاشتقاقهم يعقوب من العقب وإدريس من الدرس وإبليس من الإبلاس.
﴿ الاسْمَآءَ كُلَّهَا ﴾ [البقرة : ٣١] أي أسماء المسميات فحذف المضاف إليه لكونه معلوماً مدلولاً عليه بذكر الأسماء إذ الإسم يدل على المسمى وعوض منه اللام كقوله تعالى :﴿ وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ﴾ [مريم : ٤] (مريم : ٤)، ولا يصح أن يقدر وعلم آدم مسميات الأسماء على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، لأن التعليم تعلق بالأسماء لا بالمسميات لقوله تعالى : أنبئوني بأسماء هؤلاء و أنبئهم بإسمائهم، ولم يقل " أنبئوني بهؤلاء وأنبئهم بهم ".
ومعنى تعليمه أسماء المسميات أنه تعالى أراه الأجناس التي خلقها وعلمه أن هذا اسمه فرس وهذا اسمه بعير وهذا اسمه كذا وهذا اسمه كذا.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : علمه اسم كل شيء حتى القصعة والمغرفة.
﴿ ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَـائِكَةِ ﴾ [البقرة : ٣١] أي عرض المسميات، وإنما ذكر لأن في المسميات العقلاء فغلبهم.
وإنما استنبأهم وقد علم عجزهم عن الإنباء على سبيل التبكيت ﴿ فَقَالَ أَنابِئُونِى ﴾ [البقرة : ٣١] أخبروني ﴿ بِأَسْمَآءِ هؤلاء إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ ﴾ [البقرة : ٣١] في زعمكم أني أستخلف في الأرض مفسدين سفاكين للدماء، وفيه رد عليهم وبيان أن فيمن يستخلفه من الفوائد العلمية التي هي أصول الفوائد كلها ما يستأهلون لأجله أن يستخلفوا.
﴿ قَالُوا سُبْحَـانَكَ ﴾ [سبأ : ٤١] تنزيهاً لك أن يخفى عليك شيء أو عن الاعتراض عليك في تدبيرك.
وأفادتنا الآية أن علم الأسماء فوق التخلي للعبادة فكيف بعلم الشريعة؟ وانتصابه على المصدر تقديره سبحت الله تسبيحاً ﴿ لا عِلْمَ لَنَآ إِلا مَا عَلَّمْتَنَآ ﴾ [البقرة : ٣٢] وليس فيه علم الأسماء، و " ما " بمعنى " الذي "، والعلم بمعنى المعلوم أي لا معلوم لنا، إلا الذي علمتنا.
﴿ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة : ٣٢] غير المعلم ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ فيما قضيت
٨٠