ومعنى ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم ﴾ [البقرة : ٧٤] استبعاد القسوة ﴿ مِّن بَعْدِ ﴾ [يونس : ٣] ما ذكر مما يوجب لين القلوب ورقتها.
وصفة القلوب بالقسوة مثل لنبوها عن الاعتبار والاتعاظ.
من بعد ﴿ ذَالِكَ ﴾ إشارة إلى إحياء القتيل أو إلى جميع ما تقدم من الآيات المعدودة ﴿ فَهِىَ كَالْحِجَارَةِ ﴾ [البقرة : ٧٤] فهي في قسوتها مثل الحجارة ﴿ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ﴾ [البقرة : ٧٤] منها.
وأشد معطوف على الكاف تقديره أو مثل أشد قسوة، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.
أو هي في أنفسها أشد قسوة.
يعني أن من عرف حالها شبهها بالحجارة أو بجوهر أقسى منها وهو الحديد مثلاً، أو من عرفها شبهها بالحجارة أو قال هي أقسى من الحجارة.
وإنما لم يقل أقسى لكونه أبين وأدل على فرط القسوة.
وترك ضمير المفضل عليه لعدم الإلباس كقولك " زيد كريم وعمرو أكرم ".
﴿ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ ﴾ [البقرة : ٧٤] بيان لزيادة قسوة قلوبهم على الحجارة ﴿ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الانْهَـارُ ﴾ [البقرة : ٧٤] ما بمعنى " الذي " في موضع النصب وهو اسم " إن " واللام للتوكيد.
والتفجر التفتح بالسعة والكثرة.
﴿ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ ﴾ [البقرة : ٧٤] أصله يتشقق وبه قرأ الأعمش فقلبت التاء شيناً وأدغمت ﴿ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَآءُ ﴾ [البقرة : ٧٤] يعني أن من الحجارة ما فيه خروق واسعة يتدفق منها الماء الكثير، ومنها ما ينشق انشقاقاً بالطول أو بالعرض فينبع منه الماء أيضاً وقلوبهم لا تندى.
﴿ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ ﴾ [البقرة : ٧٤] يتردى من أعلى الجبل ﴿ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ [الحشر : ٢١] قيل : هو مجاز عن انقيادها لأمر الله وأنها لا تمتنع على ما يريد فيها، وقلوب هؤلاء لا تنقاد ولا تفعل ما أمرت به.
وقيل : المراد به حقيقة الخشية على معنى أنه يخلق فيها الحياة والتمييز.
وليس شرط خلق الحياة والتمييز في الجسم أن يكون على بنية مخصوصة عند أهل السنة وعلى هذا
١٠١
قوله :﴿ لَوْ أَنزَلْنَا هَـاذَا الْقُرْءَانَ عَلَى جَبَلٍ ﴾ [الحشر : ٢١] (الحشر : ١٢)، الآية.
يعني وقلوبهم لا تخشى.
﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَـافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة : ٧٤] وبالياء مكي وهو وعيد.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٠٠
﴿ أَفَتَطْمَعُونَ ﴾ الخطاب لرسول الله والمؤمنين.
﴿ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ ﴾ [البقرة : ٧٥] أن يؤمنوا لأجل دعوتكم ويستجيبوا لكم كقوله تعالى :﴿ فَـاَامَنَ لَهُ لُوطٌ ﴾ [العنكبوت : ٢٦] (العنكبوت : ٦٢)، يعني اليهود.
﴿ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ ﴾ [البقرة : ٧٥] طائفة فيمن سلف منهم.
﴿ يَسْمَعُونَ كَلَـامَ اللَّهِ ﴾ [البقرة : ٧٥] أي التوراة.
﴿ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ ﴾ [البقرة : ٧٥] كما حرفوا صفة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وآية الرجم.
﴿ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَـامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ من بعد ما فهموه وضبطوه بعقولهم.
﴿ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة : ٧٥] أنهم كاذبون مفترون.
والمعنى إن كفر هؤلاء وحرفوا فلهم سابقة في ذلك.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٠٢