﴿ مَا نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنسِهَا ﴾ [البقرة : ١٠٦] تفسير النسخ لغة التبديل، وشريعة بيان انتهاء الحكم الشرعي المطلق الذي تقرر في أوهامنا استمراره بطريق التراخي فكان تبديلاً في حقنا بياناً محضاً في حق صاحب الشرع.
وفيه جواب عن البداء الذي يدعيه منكروه ـــــ أعني اليهود ـــــ ومحله حكم يحتمل الوجود والعدم في نفسه لم يلحق به ما ينافي النسخ من توقيت أو تأبيد، ثبت نصاً أو دلالة.
وشرطه التمكن من عقد القلب عندنا دون التمكن من الفعل خلافاً للمعتزلة.
وإنما يجوز النسخ بالكتاب والسنة متفقاً ومختلفاً ويجوز نسخ التلاوة والحكم، والحكم دون التلاوة، والتلاوة دون الحكم ونسخ وصف بالحكم مثل الزيادة على النص فإنه نسخ عندنا خلافاً للشافعي رحمه الله.
والإنساء أن يذهب بحفظها عن القلوب أو ننسأها مكي وأبو عمرو أي نؤخرها من نسأت أي أخرت ﴿ نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَآ ﴾ [البقرة : ١٠٦] أي نأت بآية خير منها للعباد أي بآية العمل بها أكثر للثواب.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١١٧
﴿ أَوْ مِثْلِهَآ ﴾ [البقرة : ١٠٦] في ذلك إذ لا فضيلة لبعض الآيات على البعض ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة : ١٠٦] أي قادر فهو يقدر على الخير وعلى مثله ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ [البقرة : ١٠٧] فهو يملك أموركم ويدبرها وهو أعلم بما يتعبدكم به من ناسخ أو منسوخ.
﴿ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ ﴾ [البقرة : ١٠٧] يلي أمركم ﴿ وَلا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة : ١٠٧] ناصر يمنعكم من العذاب ﴿ أَمْ تُرِيدُونَ ﴾ [البقرة : ١٠٨] أم منقطعة وتقديره بل أتريدون ﴿ أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْـاَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُـاـاِلَ مُوسَى ﴾ [البقرة : ١٠٨] روي أن قريشاً قالوا : يا محمد اجعل لنا الصفا ذهباً ووسع لنا أرض مكة فنهوا أن يقترحوا عليه الآيات كما اقترح قوم موسى عليه حين قالوا اجعل لنا إلهاً.
﴿ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالايمَـانِ ﴾ [البقرة : ١٠٨] ومن ترك الثقة بالآيات المنزلة وشك فيها واقترح غيرها ﴿ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السَّبِيلِ ﴾ [البقرة : ١٠٨] قصده ووسطه.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١١٧
﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَـابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم ﴾ [البقرة : ١٠٩] أن يردوكم ﴿ مِّن بَعْدِ إِيمَـانِكُمْ كُفَّارًا ﴾ [البقرة : ١٠٩] حال من " كم " أي يردونكم عن دينكم كافرين، نزلت حين قالت اليهود للمسلمين بعد واقعة أحد : ألم تروا إلى ما أصابكم ولو كنتم على الحق لما هزمتم فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم.
﴿ حَسَدًا ﴾ مفعول له أي لأجل الحسد وهو الأسف على الخير عند الغير ﴿ مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِم ﴾ [البقرة : ١٠٩] يتعلق بـ " ودّ " أي ودوا من عند أنفسهم ومن قبل شهوتهم لا من قبل التدين والميل مع الحق لأنهم ودوا ذلك ﴿ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ﴾ [البقرة : ١٠٩] أي من بعد علمهم بأنكم على الحق، أو بحسداً أي حسداً متبالغاً منبعثاً من أصل نفوسهم.
﴿ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا ﴾ [البقرة : ١٠٩] فاسلكوا بهم سبيل العفو والصفح عما يكون منهم من الجهل والعداوة ﴿ حَتَّى يَأْتِىَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ﴾ [البقرة : ١٠٩] بالقتال ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة : ٢٠] فهو يقدر على الانتقام منهم.
﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَواةَ وَءَاتُوا الزكاة وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ من حسنة صلاة أو صدقة أو غيرهما ﴿ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ ﴾ [البقرة : ١١٠] تجدوا ثوابه عنده ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة : ١١٠] فلا يضيع عنده عمل عامل.
١١٧
والضمير في ﴿ وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَـارَى ﴾ [البقرة : ١١١] لأهل الكتاب من اليهود والنصارى أي وقالت اليهود : لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً، وقالت النصارى : لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى، فلفّ بين القولين ثقة بأن السامع يرد إلى كل فريق قوله، وأمناً من الإلباس لما علم من التعادي بين الفريقين وتضليل كل واحد منهما صاحبه، ألا ترى إلى قوله تعالى :﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَـارَى عَلَى شَىْءٍ وَقَالَتِ النَّصَـارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَىْءٍ ﴾ [