والحنيف المائل عن كل دين باطل إلى دين الحق.
﴿ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [البقرة : ١٣٥] تعريض بأهل الكتاب وغيرهم لأن كلاًّ منهم يدعي اتباع ملة إبراهيم وهو على الشرك.
﴿ قُولُوا ﴾ هذا خطاب للمؤمنين أو للكافرين أي قولوا لتكونوا على الحق وإلا فأنتم على الباطل ﴿ بِاللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ ﴾ [البقرة : ١٣٦] أي القرآن ﴿ وَمَآ أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِ مَ وَإِسْمَـاعِيلَ وَإِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ وَالاسْبَاطِ ﴾ [البقرة : ١٣٦] السبط الحافد وكان الحسن والحسين سبطي رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والأسباط حفدة يعقوب ذراري أبنائه الاثني عشر.
ويعدى أنزل بـ " إلى " و " على " فلذا ورد هنا بـ " إلى " وفي آل عمران بـ " على " ﴿ وَمَآ أُوتِىَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَآ أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ ﴾ [البقرة : ١٣٦] أي لا نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعلت اليهود والنصارى.
وأحد في معنى الجماعة ولذا صح دخول بين عليه.
﴿ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة : ١٣٣] لله مخلصون ﴿ فَإِنْ ءَامَنُوا بِمِثْلِ مَآ ءَامَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا ﴾ [البقرة : ١٣٧] ظاهر الآية مشكل لأنه يوجب أن يكون لله تعالى مثل وتعالى عن ذلك.
فقيل : الباء زائدة ومثل صفة مصدر محذوف تقديره فإن آمنوا إيماناً مثل إيمانكم والهاء يعود إلى الله عز وجل، وزيادة الباء غير عزيز قال الله تعالى :﴿ وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَآءُ سَيِّئَة بِمِثْلِهَا ﴾ [يونس : ٢٧] (يونس : ٧٢) والتقدير جزاء سيئة مثلها كقوله في الآية الأخرى :﴿ وَجَزَاؤُا سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ﴾ [الشورى : ٤٠] (الشورى : ٠٤) وقيل : المثل زيادة أي فإن آمنوا بما آمنتم به يؤيده قراءة ابن مسعود رضي الله عنه بما آمنتم به.
وما بمعنى " الذي " بدليل قراءة أبي بالذي آمنتم به.
وقيل : الباء للاستعانة كقولك " كتبت بالقلم " أي فإن دخلوا في الإيمان بشهادة مثل شهادتكم التي آمنتم بها وّإن تولّوا } عما تقولون لهم ولم ينصفوا أو إن تولوا عن الشهادة والدخول في الإيمان بها فإنّما هم في شقاقٍ } أي فما هم إلا في خلاف وعداوة وليسوا من طلب الحق في شيء ﴿ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ﴾ [البقرة : ١٣٧] ضمان من الله لإظهار رسوله عليهم وقد أنجز وعده بقتل
١٢٩
بعضهم وإجلاء بعضهم، ومعنى السين أن ذلك كائن لا محالة وإن تأخر إلى حين.
﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ ﴾ [الشورى : ١١] لما ينطقون به ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ بما يضمرون من الحسد والغل وهو معاقبهم عليه فهو وعيد لهم، أو وعد لرسول الله صلى الله عليه وسلّم أي يسمع ما تدعو به ويعلم نيتك وما تريده من إظهار دين الحق وهو مستجيب لك وموصلك إلى مرادك.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٢٤
﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ ﴾ [البقرة : ١٣٨] دين الله وهو مصدر مؤكد منتصب عن قوله : آمنا بالله.
وهي فعلة من صبغ كالجلسة من جلس وهي الحالة التي يقع عليها الصبغ، والمعنى تطهير الله لأن الإيمان يطهر النفوس.
والأصل فيه أن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية ويقولون هو تطهير لهم فإذا فعل الواحد منهم بولده ذلك قال الآن صار نصرانياً حقاً، فأمر المسلمون بأن يقولوا لهم : آمنا بالله وصبغنا الله بالإيمان صبغته ولم نصبغ صبغتكم.
وجيء بلفظ الصبغة للمشاكلة كقولك لمن يغرس الأشجار إغرس كما يغرس فلان تريد رجلاً يصطنع الكرم.
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ﴾ [البقرة : ١٣٨] تمييز أي لا صبغة أحسن من صبغته يريد الدين أو التطهير.
﴿ وَنَحْنُ لَهُ عَـابِدُونَ ﴾ [البقرة : ١٣٨] عطف على آمنا بالله وهذا العطف يدل على أن قوله : صبغة الله داخل في مفعول قولوا آمنا أي قولوا هذا وهذا ونحن له عابدون ويردّ قول من زعم أن صبغة الله بدل من ملة إبراهيم أو نصب على الإغراء بمعنى عليكم صبغة الله لما فيه من فك النظم وإخراج الكلام عن التئامه.
وانتصابها على أنها مصدر مؤكد هو الذي ذكره سيبويه والقول ما قالت حذام.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٣٠


الصفحة التالية
Icon