﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ [البقرة : ١٥٠] وهذا التكرير لتأكيد أمر القبلة وتشديده لأن النسخ من مظان الفتنة والشبهة فكرر عليهم ليثبتوا على أنه نيط بكل واحد ما لم ينط بالآخر فاختلفت فوائدها ﴿ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ﴾ [البقرة : ١٥٠] أي قد عرّفكم الله جل ذكره أمر الاحتجاج في القبلة بما قد بين في قوله : ولكل وجهة هو موليها.
لئلا يكون للناس لليهود عليكم حجة في خلاف ما في التوراة من تحويل القبلة.
وأطلق اسم الحجة على قول المعاندين لأنهم يسوقونه سياق الحجة.
﴿ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ﴾ [البقرة : ١٥٠] استثناء من " الناس " أي لئلا يكون حجة لأحد من اليهود إلا المعاندين منهم القائلين ما ترك قبلتنا إلى الكعبة إلا ميلاً إلى دين قومه وحباً لبلده، ولو كان على الحق للزم قبلة الأنبياء عليهم السلام.
أو معناه لئلا يكون للعرب عليكم حجة واعتراض في ترككم التوجه إلى الكعبة التي هي قبلة إبراهيم وإسماعيل أبي العرب إلا الذين ظلموا منهم وهم أهل مكة حين يقولون بدا له فرجع إلى قبلة آبائه، ويوشك أن يرجع إلى دينهم.
ثم استأنف منبهاً بقوله :﴿ فَلا تَخْشَوْهُمْ ﴾ [المائدة : ٣] فلا تخافوا مطاعنهم في قبلتكم فإنهم لا يضرونكم ﴿ وَاخْشَوْنِى ﴾ فلا تخالفوا أمري ﴿ وَلاتِمَّ نِعْمَتِى عَلَيْكُمْ ﴾ [البقرة : ١٥٠] أي عرفتكم لئلا يكون عليكم حجة ولأتم نعمتي عليكم بهدايتي إياكم إلى الكعبة.
﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [البقرة : ١٥٠] ولكي تهتدوا إلى قبلة إبراهيم.
الكاف في ﴿ كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ ﴾ [البقرة : ١٥١] إما أن يتعلق بما قبله أي ولأتم نعمتي عليكم في الآخرة بالثواب كما أتممتها عليكم في الدنيا بإرسال الرسول، أو بما بعده أي كما ذكرتكم بإرسال الرسول فاذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب، فعلى هذا يوقف على تهتدون وعلى الأول لا.
﴿ رَسُولا مِّنكُمْ ﴾ [البقرة : ١٥١] من العرب ﴿ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ ﴾ [البقرة : ١٥١] يقرأ عليكم ﴿ ءَايَـاتِنَا ﴾ القرآن ﴿ وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَـابَ ﴾ [البقرة : ١٥١] القرآن ﴿ وَالْحِكْمَةَ ﴾ السنة
١٣٧
والفقه ﴿ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة : ١٥١] ما لا سبيل إلى معرفته إلا بالوحي.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٣٦
فاذكروني } بالمعذرة ﴿ أَذْكُرْكُمْ ﴾ بالمغفرة أو بالثناء والعطاء، أو بالسؤال والنوال، أو بالتوبة وعفو الحوبة، أو بالإخلاص والخلاص، أو بالمناجاة والنجاة.
﴿ وَاشْكُرُوا لِي ﴾ [البقرة : ١٥٢] ما أنعمت به عليكم ﴿ وَلا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة : ١٥٢] ولا تجحدوا نعمائي.
﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ ﴾ فبه تنال كل فضيلة ﴿ وَالصَّلَواةِ ﴾ فإنها تنهى عن كل رذيلة ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّـابِرِينَ ﴾ [البقرة : ١٥٣] بالنصر والمعونة ﴿ وَلا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [البقرة : ١٥٤] نزلت في شهداء بدر وكانوا أربعة عشر رجلاً.
﴿ أَمْوَاتُ ﴾ أي هم أمواتٍ ﴿ بَلْ أَحْيَآءٌ ﴾ [آل عمران : ١٦٩] أي هم أحياء ﴿ وَلَـاكِن لا تَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة : ١٥٤] لا تعلمون ذلك لأن حياة الشهيد لا تعلم حساً.
عن الحسن رضي الله عنه أن الشهداء أحياء عند الله تعرض أرزاقهم على أرواحهم فيصل إليهم الروح والفرح كما تعرض النار على أرواح آل فرعون غدواً وعشياً فيصل إليهم الوجع.
وعن مجاهد : يرزقون ثمر الجنة ويجدون ريحها وليسوا فيها.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٣٨


الصفحة التالية
Icon