﴿ إِلا الَّذِينَ عَـاهَدتُّمْ ﴾ [التوبة : ٧] أي ولكن الذين عاهدتم منهم ﴿ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ [البقرة : ١٩١] ولم يظهر منهم نكث كبني كنانة وبني ضمرة فتربصوا أمرهم ولا تقاتلوهم ﴿ فَمَا اسْتَقَـامُوا لَكُمْ ﴾ [التوبة : ٧] ولم يظهر منهم نكث أي فما أقاموا على وفاء العهد ﴿ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ﴾ [التوبة : ٧] على الوفاء.
و " ما " شرطية أي فإن استقاموا لكم فاستقيموا لهم ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة : ٤] يعني أن التربص بهم من أعمال المتقين.
﴿ كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ ﴾ [التوبة : ٨] تكرار لاستبعاد ثبات المشركين على العهد، وحذف الفعل لكونه معلوماً أي كيف يكون لهم عهد وحالهم أنهم إن يظهروا عليكم أي يظفروا بكم بعد ما سبق لهم من تأكيد الأيمان والمواثيق ﴿ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلا ﴾ [التوبة : ٨] لا يراعوا حلفاً ولا قرابة ﴿ وَلا ذِمَّةً ﴾ [التوبة : ١٠] عهداً ﴿ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾ [التوبة : ٨] بالوعد
١٦٩
بالإيمان والوفاء بالعهد وهو كلام مبتدأ في وصف حالهم من مخالفة الظاهر الباطن مقرر لاستبعاد الثبات منهم على العهد ﴿ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ ﴾ [التوبة : ٨] الإيمان والوفاء بالعهد ﴿ وَأَكْثَرُهُمْ فَـاسِقُونَ ﴾ [التوبة : ٨] ناقضون العهد أو متمردون في الكفر، لا مروة تزعهم عن الكذب، ولا شمائل تردعهم عن النكث كما يوجد ذلك في بعض الكفرة من التفادي عنهما.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٦٥
﴿ اشْتَرَوْا ﴾ استبدلوا ﴿ بِـاَايَـاتِ اللَّهِ ﴾ [الزمر : ٦٣] بالقرآن ﴿ ثَمَنًا قَلِيلا ﴾ [النحل : ٩٥] عرضاً يسيراً وهو إتباع الأهواء والشهوات ﴿ فَصَدُّوا عَن سَبِيلِهِ ﴾ [التوبة : ٩] فعدلوا عنه وصرفوا غيرهم ﴿ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة : ٩] أي بئس الصنيع صنيعهم ﴿ لا يَرْقُبُونَ فِى مُؤْمِنٍ إِلا وَلا ذِمَّةً ﴾ [التوبة : ١٠] ولا تكرار، لأن الأول على الخصوص حيث قال
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٧٠
﴿ فِيكُمْ ﴾ والثاني على العموم لأنه قال ﴿ فِى مُؤْمِنٍ ﴾ [التوبة : ١٠] ﴿ وَأُوالَـائكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ ﴾ [التوبة : ١٠] المجاوزون الغاية في الظلم والشرارة ﴿ فَإِن تَابُوا ﴾ [التوبة : ٥] عن الكفر ﴿ وَأَقَامُوا الصَّلَواةَ وَءَاتَوُا الزكاة فَإِخْوَانُكُمْ ﴾ فهم إخوانكم على حذف المبتدأ ﴿ فِى الدِّينِ ﴾ [الانفال : ٧٢] لا في النسب ﴿ وَنُفَصِّلُ الايَـاتِ ﴾ [التوبة : ١١] ونبينها ﴿ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة : ٢٣٠] يفهمون فيتفكرون فيها وهذا اعتراض، كأنه قيل : وإن من تأمل تفصيلها فهو العالم تحريصاً على تأمل ما فصل من أحكام المشركين المعاهدين وعلى المحافظة عليها ﴿ وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ ﴾ [التوبة : ١٢] أي نقضوا العهود المؤكد بالأيمان ﴿ وَطَعَنُوا فِى دِينِكُمْ ﴾ [التوبة : ١٢] وعابوه ﴿ فَقَـاتِلُوا أَاـاِمَّةَ الْكُفْرِ ﴾ [التوبة : ١٢] فقاتلوهم، فوضع أئمة الكفر موضع ضميرهم وهم رؤساء الشرك، أو زعماء قريش الذين هموا بإخراج الرسول وقالوا : إذا طعن الذمي في دين الإسلام طعناً ظاهراً جاز قتله لأن العهد معقود معه
١٧٠
على أن لا يطعن فإذا طعن فقد نكث عهده وخرج من الذمة.
﴿ أَاـاِمَّةَ ﴾ بهمزتين : كوفي وشامي، الباقون : بهمزة واحدة غير ممدودة بعدها ياء مكسرورة، أصلها " أأممة " لأنها جمع إمام كعماد وأعمدة، فنقلت حركة الميم الأولى إلى الهمزة الساكنة وأدغمت في الميم الأخرى.
فمن حقق الهمزتين أخرجهما على الأصل، ومن قلب الثانية ياء فلكسرتها ﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾ وإنما أثبت لهم الإيمان في قوله ﴿ وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم ﴾ [التوبة : ١٢] لأنه أراد أيمانهم التي أظهروها ثم قال ﴿ لا أَيْمَـانَ لَهُمْ ﴾ [التوبة : ١٢] على الحقيقة وهو دليل لنا على أن يمين الكافر لا تكون يميناً، ومعناه عند الشافعي رحمه الله أنهم لا يوفون بها لأن يمينهم يمين عنده حيث وصفها بالنكث.
﴿ لا أَيْمَـانَ ﴾ [
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٧٠


الصفحة التالية
Icon