﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ ﴾ [التوبة : ١٧] ما صح لهم وما استقام ﴿ أَن يَعْمُرُوا مَسَـاجِدَ اللَّهِ ﴾ [التوبة : ١٧] ﴿ مَسَـاجِدَ اللَّهِ ﴾ [البقرة : ١١٤] مكي وبصري يعني المسجد الحرام، وإنما جمع في القراءة بالجمع لأنه قبلة المساجد وإمامها فعامره كعامر جميع المساجد، ولأن كل بقعة منه مسجد، أو أريد جنس المساجد وإذا لم يصلحوا لأن يعمروا جنسها دخل تحت ذلك أن لا يعمرو المسجد الحرام الذي هو صدر الجنس، وهو آكد إذ طريقه طريق الكناية كما تقول :" فلان لا يقرأ كتب الله " فإنه أنفى لقراءته القرآن من تصريحك بذلك ﴿ شَـاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ ﴾ [التوبة : ١٧] باعترافهم بعبادة الأصنام وهو حال من الواو في ﴿ يَعْمُرُوا ﴾ والمعنى ما استقام لهم أن يجموا بين أمرين متضادين عمارة متعبدات الله مع الكفر بالله وبعبادته ﴿ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَـالُهُمْ وَفِى النَّارِ هُمْ خَـالِدُونَ ﴾ [التوبة : ١٧] دائمون ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَـاجِدَ اللَّهِ ﴾ [التوبة : ١٨] عمارتهارمّ ما استرم منها وقمها وتنظيفها وتنويرها بالمصابيح وصيانتها مما لم تبن له المساجد من أحاديث الدنيا، لأنها بنيت للعبادة والذكر ومن الذكر درس العلم ﴿ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاخِرِ ﴾ [البقرة : ٦٢] ولم يذكر الإيمان بالرسول عليه السلام لما علم أن الإيمان بالله قرينته الإيمان بالرسول لاقترانهما في الأذان والإقامة وكلمة الشهادة وغيرها، أو دل عليه بقوله ﴿ وَأَقَامَ الصَّلَواةَ وَءَاتَى الزكاة ﴾ [البقرة : ١٧٧] وفي قوله ﴿ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ ﴾ [التوبة : ١٨] تنبيه على الإخلاص، والمراد الخشية في أبواب الدين بأن لا يختار على رضا الله رضا غيره لتوقع مخوف، إذ المؤمن قد يخشى المحاذير ولا يتمالك أن لا يخشاها.
وقيل : كانوا يخشون الأصنام ويرجونها : فأريد نفي تلك الخشية عنهم ﴿ فَعَسَى أؤلئك أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ [التوبة : ١٨] تبعيد للمشركين عن مواقف الاهتداء وحسم لأطماعهم في الانتفاع بأعمالهم لأن ﴿ عَسَى ﴾ كلمة إطماع، والمعنى إنما تستقيم عمارة هؤلاء وتكون معتداً بها عند الله دون من سواهم.
١٧٣
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٧٠
﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَآجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاخِرِ وَجَـاهَدَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّـالِمِينَ ﴾ [التوبة : ١٩] السقاية والعمارة مصدران من سقى وعمر كالصيانة والوقاية، ولا بد من مضاف محذوف تقديره : أجعلتم أهل سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله.
وقيل : المصدر بمعنى الفاعل يصدقه قراءة ابن الزبير ﴿ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٧٤
والمعنى إنكار أن يشبه المشركون بالمؤمنين وأعمالهم المحبطة بأعمالهم المثبتة وأن يسوي بينهم، وجعل تسويتهم ظلماً بعد ظلمهم بالكفر لأنهم وضعوا المدح والفخر في غير موضعهما.
نزلت جواباً لقول العباس حين أسر فطفق علي رضي الله عنه يوبخه بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقطيعة الرحم تذكر مساوينا وتدع محاسننا.
فقيل : أولكم محاسن؟ فقال : نعمر المسجد ونسقي الحاج ونفك العاني.
وقيل : افتخر العباس بالسقاية وشيبة بالعمارة، وعلي رضي الله عنه بالإسلام والحهاد، فصدق الله تعالى علياً ﴿ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَـاهَدُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ﴾ أولئك ﴿ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ ﴾ [التوبة : ٢٠] من أهل السقاية والعمارة ﴿ وَأُوالَـائكَ هُمُ الْفَآ ـاِزُونَ ﴾ [التوبة : ٢٠] لا أنتم والمختصون بالفوز دونكم ﴿ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم ﴾ [التوبة : ٢١] ﴿ يُبَشِّرُهُمْ ﴾ حمزة ﴿ بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّـاتٍ ﴾ تنكير المبشر به لوقوعه وراء صفة الواصف وتعريف المعرف ﴿ لَّهُمْ فِيهَا ﴾ [النساء : ٥٧] في الجنات ﴿ نَعِيمٌ مُّقِيمٌ ﴾ [التوبة : ٢١] دائم ﴿ خَـالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِندَهُا أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [التوبة : ٢٢] لا ينقطع.
١٧٤