لما أمر الله النبي عليه السلام بالهجرة جعل الرجل يقول لابنه ولأخيه ولقرابته : إنا قد أمرنا بالهجرة، فمنهم من يسرع إلى ذلك ويعجبه، ومنهم من تتعلق به زوجته أو ولده فيقول تدعنا بلا شيء فنضيع فيجلس معهم ويدع الهجرة فنزل ﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَتَّخِذُوا ءَابَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الايمَـانِ ﴾ أي آثروه واختاروه ﴿ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ ﴾ [المائدة : ٥١] أي ومن يتولى الكافرين ﴿ فَأُوالَـائكَ هُمُ الظَّـالِمُونَ ﴾ [البقرة : ٢٢٩].
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٧٤
﴿ قُلْ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ ﴾ [التوبة : ٢٤] أقاربكم وعشيراتكم أبو بكر ﴿ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا ﴾ [التوبة : ٢٤] اكتسبتموها ﴿ وَتِجَـارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا ﴾ [التوبة : ٢٤] فوات وقت نفاقها ﴿ وَمَسَـاكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِىَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ﴾ [التوبة : ٢٤] وهو عذاب عاجل أو عقاب آجل أو فتح مكة ﴿ وَاللَّهُ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَـاسِقِينَ ﴾ [المائدة : ١٠٨] والآية تنعي على الناس ما هم عليه من رخاوة عقد الدين واضطراب حبل اليقين، إذ لا تجد عند أورع الناس ما يستحب له دينه على الآباء والأبناء والأموال والحظوظ.
﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ﴾ [التوبة : ٢٥] كوقعة بدر وقريظة والنضير والحديبية وخيبر وفتح مكة.
وقيل : إن المواطن التي نصر الله فيها النبي عليه السلام والمؤمنين ثمانون موطناً، ومواطن الحرب مقاماتها ومواقفها ﴿ وَيَوْمَ ﴾ أي واذكروا يوم ﴿ حُنَيْنٍ ﴾ وادٍ بين مكة والطائف كانت فيه الوقعة بين المسلمين وهم اثنا عشر ألفاً، وبين هوازن وثقيف وهم أربعة آلاف، فلما التقوا قال رجل من المسلمين : لن نغلب
١٧٥
اليوم من قلة، فساءت رسول الله عليه الصلاة والسلام ﴿ إِذْ ﴾ بدل من ﴿ يَوْمٍ ﴾ ﴿ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ﴾ [التوبة : ٢٥] فأدركت المسلمين كلمة الإعجاب بالكثرة وزل عنهم أن الله هو الناصر لا كثرة الجنود، فانهزموا حتى بلغ فلهم مكة وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلّم وحده وهو ثابت في مركزه ليس معه إلا عمه العباس آخذاً بلجام دابته، وأبو سفيان ابن الحارث بن عمه آخذاً بركابه فقال للعباس :" صح بالناس " وكان صيّتاً، فنادى : يا أصحاب الشجرة فاجتمعوا وهم يقولون : لبيك، لبيك نزلت الملائكة عليهم الثياب البيض على خيول بلق، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلّم كفأ من تراب فرماهم بن ثم قال :" انهزموا ورب الكعبة " فانهزموا وكان من دعائه عليه السلام يومئذ " اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان " وهذا دعاء موسى عليه السلام يوم انفلاق البحر ﴿ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شيئا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الارْضُ بِمَا رَحُبَتْ ﴾ [التوبة : ٢٥] " ما " مصدرية والباء بمعنى " مع " أي مع رحبها وحقيقته ملتبسة برحبها على أن الجار والمجرور في موضع الحال كقولك " دخلت عليه بثياب السفر " أي متلبساً بها، والمعنى لم تجدوا موضعاً لفراركم عن أعدائكم فكأنها ضاقت عليكم ﴿ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ﴾ [التوبة : ٢٥] ثم انهزمتم ﴿ ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ ﴾ [التوبة : ٢٦] رحمته التي سكنوا بها وأمنوا ﴿ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ﴾ [التوبة : ٢٦] يعني الملائكة وكانوا ثمانية آلاف أو خمسة أو ستة عشر ألفاً ﴿ وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [التوبة : ٢٦] بالقتل والأسر وسبي النساء والذراري.
﴿ وَذَالِكَ جَزَآءُ الْكَـافِرِينَ ﴾ [التوبة : ٢٦].
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٧٤
﴿ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِن بَعْدِ ذَالِكَ عَلَى مَن يَشَآءُ ﴾ [التوبة : ٢٧] وهم الذين أسلموا منهم ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ ﴾ [البقرة : ٢٢٥] بستر كفر العدو بالإسلام ﴿ رَّحِيمٌ ﴾ بنصر الولي بعد الانهزام.
١٧٦