﴿ رَّحِيمٌ * يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾ أي ذوو نجس وهو مصدر، يقال نجس نجساً وقذر قذراً لأن معهم الشرك الذي هو بمنزلة النجس، ولأنهم لا يتطهرون ولا يغتسلون ولا يجتنبون النجاسات فهي ملابسة لهم، أو جعلوا كأنهم النجاسة بعينها مبالغة في وصفهم بها
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٧٦
﴿ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ﴾ [التوبة : ٢٨] فلا يحجوا ولا يعتمروا كما كانوا يفعلون في الجاهلية ﴿ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـاذَا ﴾ [التوبة : ٢٨] وهو عام تسع من الهجرة حين أمّر أبو بكر رضي الله عنه على الموسم، وهو مذهبنا ولا يمنعون من دخول الحرم والمسجد الحرام وسائر المساجد عندنا، وعند الشافعي رحمه الله يمنعون من المسجد الحرام خاصة وعند مالك يمنعون منه ومن غيره.
وقيل : نهى المشركين أن يقربوه راجع إلى نهي المسلمين عن تمكينهم منه ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً ﴾ [التوبة : ٢٨] أي فقراً بسبب منع المشركين من الحج وما كان لكم في قدومهم عليكم من الإرفاق والمكاسب ﴿ فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾ [التوبة : ٢٨] من الغنائم أو المطر والنبات أو من متاجر حجيج الإسلام ﴿ إِن شَآءَ ﴾ [يوسف : ٩٩] هو تعليم لتعليق الأمور بمشيئة الله تعالى لتنقطع الآمال إليه ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران : ١١٩] بأحوالكم ﴿ حَكِيمٌ ﴾ في تحقيق آمالكم، أو عليم بمصالح العباد حكيم فيما حكم وأراد ونزل في أهل الكتاب ﴿ قَـاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [التوبة : ٢٩] لأن اليهود مثنيّة والنصارى مثلثة ﴿ وَلا بِالْيَوْمِ الاخِرِ ﴾ [التوبة : ٢٩] لأنهم فيه على خلاف ما يجب حيث يزعمون أن لا أكل في الجنة ولا شرب ﴿ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴾ [التوبة : ٢٩] لأنهم لا يحرمون ما حرم في الكتاب والسنة، أو لا يعملون بما في التوراة والإنجيل ﴿ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ ﴾ [التوبة : ٢٩] ولا يعتقدون دين الإسلام الذي هو الحق.
يقال : فلان يدين بكذا إذا اتخذه دينه ومعتقده
١٧٧
﴿ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ ﴾ [التوبة : ٢٩] بيان للذين قبله، وأما المجوس فملحقون بأهل الكتاب في قبول الجزية، وكذا الترك والهنود وغيرهما بخلاف مشركي العرب لما روي الزهري أن النبي عليه السلام صالح عبدة الأوثان على الجزية إلا من كان من العرب ﴿ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ﴾ [التوبة : ٢٩] إلى أن يقبلوها، وسميت جزية لأنه مما يجب على أهلها أن يجزوه أي يقضوه، أو هي جزاء على الكفر على التحميل في تذليل
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٧٦
﴿ عَن يَدٍ ﴾ [التوبة : ٢٩] أي عن يدٍ مواتية غير ممتنعة ولذا قالوا : أعطى بيده إذا انقاد، وقالوا : نزع يده عن الطاعة.
أو حتى يعطوها عن يد إلى يد نقداً غير نسيئة لا مبعوثاً على يدٍ أحد ولكن عن يد المعطي إلى يد الآخذ ﴿ وَهُمْ صَـاغِرُونَ ﴾ [التوبة : ٢٩] أي تؤخذ منهم على الصغار والذل وهو أن يأتي بها بنفسه ماشياً غير راكب، ويسلمها وهو قائم، والمتسلم جالس، وأن يتلتل تلتلة ويؤخذ بتلبيبه ويقال له أدّ الجزية يا ذمي وإن كان يؤديها ويزخ في قفاه وتسقط بالإسلام.
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ ﴾ [التوبة : ٣٠] كلهم أو بعضهم ﴿ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ ﴾ [التوبة : ٣٠] مبتدأ وخبر كقوله ﴿ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ﴾ [التوبة : ٣٠] وعزير اسم أعجمي، ولعجمته وتعريفه امتنع صرفه، ومن نون.
وهم عاصم وعلي ـ فقد جعله عربياً ﴿ وَقَالَتِ النَّصَـارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَالِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾ أي قول لا يعضده برهان ولا يستند إلى بيان، فما هو إلا لفظ يفوهون به فارغ عن معنى تحته كالألفاظ المهملة ﴿ يُضَـاهِ ُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ﴾ [التوبة : ٣٠] لا بد فيه من حذف مضاف تقديره يضاهي قولهم قولهم، ثم حذف المضاف وأقيم الضمير المضاف إليه مقامه فانقلب مرفوعاً يعني أن الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم
١٧٨