من اليهود والنصارى يضاهي قولهم قول قدمائهم، يعني أنه كفر قديم فيهم غير مستحدث، أو الضمير للنصارى أي يضاهي قولهم ﴿ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ﴾ [التوبة : ٣٠] قول اليهود ﴿ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ ﴾ [التوبة : ٣٠] لأنهم أقدم منهم ﴿ يُضَـاهِ ُونَ ﴾ : عاصم.
وأصل المضاهاة المشابهة، والأكثر ترك الهمز واشتقاقه من قولهم " امرأة ضهياء " وهي التي أشبهت الرجال بأنها لا تحيض كذا قاله الزجاج، ﴿ قَـاتَلَهُمُ اللَّهُ ﴾ [التوبة : ٣٠] أي هم أحقاء بأن يقال لهم هذا ﴿ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [المائدة : ٧٥] كيف يصرفون عن الحق بعد قيام البرهان.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٧٦
﴿ اتَّخَذُوا ﴾ أي أهل الكتاب ﴿ أَحْبَارَهُمْ ﴾ علماءهم ﴿ وَرُهْبَـانَهُمْ ﴾ نساكهم ﴿ أَرْبَابًا ﴾ آلهة ﴿ مِّن دُونِ اللَّهِ ﴾ [يس : ٧٤] حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله كما يطاع الأرباب في أوامرهم ونواهيهم ﴿ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ﴾ [التوبة : ٣١] عطف على ﴿ أَحْبَارَهُمْ ﴾ أي اتخذوه رباً حيث جعلوه ابن الله ﴿ وَمَآ أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَـاهًا وَاحِدًا ﴾ [التوبة : ٣١] يجوز الوقف عليه لأن ما بعده يصلح ابتداء يصلح وصفاً لواحداً ﴿ لا إِلَـاهَ إِلا هُوَ سُبْحَـانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة : ٣١] تنزيه له عن الإشراك ﴿ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِـاُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَـافِرُونَ ﴾ [التوبة : ٣٢] مثل حالهم في طلبهم أن يبطلوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلّم بالتكذيب بحال من يريد أن ينفخ في نور عظيم منبث في الآفاق، يريد الله أن يزيده ويبلغه الغاية القصوى من الإشراق ليطفئه بنفخه.
أجرى ﴿ وَيَأْبَى اللَّهُ ﴾ [التوبة : ٣٢] مجرى ﴿ لا يُرِيدُونَ ﴾ ولذا وقع في مقابله ﴿ يُرِيدُونَ ﴾ وإلا فلا يقال : كرهت أو أبغضت إلا زيداً.
﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ ﴾ [التوبة : ٣٣] محمداً عليه السلام ﴿ بِالْهُدَى ﴾ بالقرآن ﴿ وَدِينِ الْحَقِّ ﴾ [التوبة : ٣٣] الإسلام ﴿ لِيُظْهِرَهُ ﴾ ليعليه ﴿ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ﴾ [الفتح : ٢٨] على أهل الأديان كلهم، أو
١٧٩
ليظهر دين الحق على كل دين ﴿ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ استعار الأكل للأخذ ﴿ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَـاطِلِ ﴾ [النساء : ٢٩] أي بالرشا في الأحكام ﴿ وَيَصُدُّونَ ﴾ سفلتهم ﴿ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [محمد : ١] دينه ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ﴾ [التوبة : ٣٤] يجوز أن يكون إشارة إلى الكثير من الأحبار والرهبان للدلالة على اجتماع خصلتين ذميمتين فيهم : أخذ الرشا وكنز الأموال والضن بها عن الإنفاق في سبيل الخير.
ويجوز أن يراد المسلمون الكانزون غير المنفقين، ويقرن بينهم وبين المرتشين من أهل الكتاب تغليظاً.
وعن النبي صلى الله عليه وسلّم " ما أدي زكاته فليس بكنز وإن كان باطناً، وما بلغ أن يزكى فلم يزك فهو كنز وإن كان ظاهراً " ولقد كان كثير من الصحابة رضي الله عنهم كعبد الرحمن بن عوف وطلحة يقتنون الأموال ويتصرفون فيها وما عابهم أحد ممن أعرض عن القنية، لأن الإعراض اختيار للأفضل والاقتناء مباح لا يذم صاحبه ﴿ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [التوبة : ٣٤] الضمير راجع إلى المعنى لأن كل واحد منهما دنانير ودراهم، فهو كقوله :﴿ وَإِن طَآ ـاِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ﴾ [الحجرات : ٩] (الحجرات : ٩).
أو أريد الكنوز واوموال، أو معناه ولا ينفقونها والذهب كما أن معنى قوله :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٧٦
فإني وقيار بها لغريب وقيار كذلك.
وخصا بالذكر من بين سائر الأموال لأنهما قانون التمول وأثمان الأشياء.
وذكر كنزهما دليل على ما سواهما ﴿ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [آل عمران : ٢١].
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٧٦
ومعنى قوله ﴿ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ ﴾ [التوبة : ٣٥] أن النار تحمي عليها أي توقد، وإنما ذكر الفعل لأنه مسند إلى الجار والمجرور، أصله يوم تحمي النار عليها،
١٨٠


الصفحة التالية
Icon