فلما حذفت النار قيل ﴿ يُحْمَى ﴾ لانتقاد الإسناد عن النار إلى عليها كما تقول " رفعت القصة إلى الأمير " فإن لم تذكر القصة قلت " رفع إلى الأمير " ﴿ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُم ﴾ [
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٨٠
التوبة : ٣٥] وخصت هذه الأعضاء لأنهم كانوا إذا أبصروا الفقير عبسوا، وإذا ضمهم وإياه مجلس ازوروا عنه وتولوا بأركانهم وولوه ظهورهم، أو معناه يكوون على الجهات الأربع مقاديمهم ومآخيرهم وجنوبهم ﴿ هَـاذَا مَا كَنَزْتُمْ لانفُسِكُمْ ﴾ [التوبة : ٣٥] يقال لهم هذا ما كنزتموه لتنتفع به نفوسكم وما علمتم أنكم كنزتموه لتستضر به أنفسكم وهو توبيخ ﴿ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾ [التوبة : ٣٥] أي وبال المال الذي كنتم تكنزونه، أو وبال كونكم كانزين.
﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا ﴾ [التوبة : ٣٦] من غير زيادة، والمراد بيان أن أحكام الشرع تبتني على الشهور القمري المحسوبة بالأهلة دون الشمسية ﴿ فِي كِتَـابِ اللَّهِ ﴾ [الانفال : ٧٥] فيما أثبته وأوجبه من حكمته أو في اللوح ﴿ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ﴾ [التوبة : ٣٦] ثلاثة سرد : ذو القعدة للقعود عن القتال، وذو الحجة للحج، والمحرم لتحريم القتال فيه، وواحد فرد وهو رجب لترجيب العرب إياه أي لتعظيمه ﴿ ذَالِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ﴾ [التوبة : ٣٦] أي الدين المستقيم لا ما يفعله أهل الجاهلية يعني أن تحريم الأربعة الأشهر هو الدين المستقيم ودين إبراهيم وإسماعيل، وكانت العرب تمسكت به فكانوا يعظمونها ويحرمون القتال فيها حتى أحدثت النسيء فغيروا ﴿ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ ﴾ [التوبة : ٣٦] في الحرم أو في الاثني عشر ﴿ أَنفُسِكُمْ ﴾ بارتكاب المعاصي ﴿ وَقَـاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً ﴾ [التوبة : ٣٦] حال من الفاعل أو المفعول ﴿ كَمَا يُقَـاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً ﴾ [التوبة : ٣٦] جميعاً ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة : ١٩٤] أي ناصر لهم حثهم على التقوى بضمان النصرة لأهلها ﴿ إِنَّمَا النَّسِى ءُ ﴾ [التوبة : ٣٧] بالهمزة مصدر نسأه إذا أخره، وهو تأخير حرمة الشهر إلى
١٨١
شهر آخر.
وذلك أنهم كانوا أصحاب حروب وغارات، فإذا جاء الشهر الحرام وهم محاربون شق عليهم ترك المحاربة فيحلونه ويحرمون مكانه شهراً آخر حتى رفضوا تخصيص الأشهر الحرم بالتحريم، فكانوا يحرمون من بين شهور العام أربعة أشهر
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٨٠
﴿ زِيَادَةٌ فِى الْكُفْرِ ﴾ [التوبة : ٣٧] أي هذا الفعل منهم زيادة في كفرهم ﴿ يُضَلُّ ﴾ كوفي غير أبي بكر ﴿ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [التوبة : ٣٧] بالنسيء.
والضمير في ﴿ يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا ﴾ [التوبة : ٣٧] للنسيء أي إذا أحلوا شهراً من الأشهر الحرم عاماً رجعوا فحرموه في العام القابل ﴿ لِّيُوَاطِـاُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ ﴾ [التوبة : ٣٧] ليوافقوا العدة التي هي الأربعة ولا يخالفوها وقد خالفوا التخصيص الذي هو أحد الواجبين.
واللام تتعلق بـ ﴿ يُحِلُّونَهُ ﴾ و أو بـ فحسب وهو الظاهر ﴿ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ﴾ [التوبة : ٣٧] أي فيحلوا بمواطأة العدة وحدها من غير تخصيص ما حرم الله من القتال، أو من ترك الاختصاص للأشهر بعينها ﴿ زُيِّنَ لَهُمْ سُواءُ أَعْمَـالِهِمْ ﴾ [التوبة : ٣٧] زين الشيطان لهم ذلك فحسبوا أعمالهم القبيحة حسنة ﴿ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَـافِرِينَ ﴾ [البقرة : ٢٦٤] حال اختيارهم الثبات على الباطل.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٨٠


الصفحة التالية
Icon