﴿ الْكَـافِرِينَ * يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا ﴾ اخرجوا ﴿ فِى سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ ﴾ [التوبة : ٣٨] تثاقلتم وهو أصله إلا أن التاء أدغمت في الثاء فصارت التاء ساكنة، فدخلت ألف الوصل لئلا يبتدأ بالساكن أي تباطأتم ﴿ إِلَى الارْضِ ﴾ [التوبة : ٣٨] ضمن معنى الميل والإخلاد فعدي بـ " إلى " أي ملتم إلى الدنيا وشهواتها وكرهتم مشاق السفر ومتاعبه، أو ملتم إلى الإقامة بأرضكم ودياركم، وكان ذلك في غزوة تبوك استنفروا في وقت عسرة وقحط وقيظ مع بعد الشقة وكثرة العدو فشق عليهم ذلك.
وقيل : ماخرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم في غزوة إلاّ ورّي عنها بغيرها إلا في غزوة تبوك ليستعد الناس تمام العدة ﴿ أَرَضِيتُم بِالْحَيَواةِ الدُّنْيَا مِنَ الاخِرَةِ ﴾ [التوبة : ٣٨] بدل الآخرة ﴿ فَمَا مَتَـاعُ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا فِى الاخِرَةِ ﴾ في جنب الآخر ﴿ إِلا قَلِيلٌ * إِلا تَنفِرُوا ﴾ إلى الحرب ﴿ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شيئا ﴾ [التوبة : ٣٩] سخط عظيم على المتثاقلين حيث أوعدهم بعذاب أليم مطلق يتناول عذاب الدارين، وأنه يهلكهم ويستبدل بهم قوماً آخرين خيراً منهم
١٨٢
وأطوع، وأنه غني عنهم في نصرة دينه لا يقدح تثاقلهم فيها شيئاً.
وقيل : الضمير في ﴿ وَلا تَضُرُّوهُ ﴾ [التوبة : ٣٩] للرسول عليه السلام لأن الله وعده أن يعصمه من الناس وأن ينصره ووعده كائن لا محالة ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ ﴾ [المجادلة : ٦] من التبديل والتعذيب وغيرهما ﴿ قَدِيرٌ * إِلا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ ﴾ إلا تنصروه فسينصره من نصره حين لم يكن معه إلا رجل واحد، فدل بقوله ﴿ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ ﴾ [التوبة : ٤٠] على أنه ينصره في المستقبل كما نصره في ذلك الوقت ﴿ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [التوبة : ٤٠] أسند الإخراج إلى الكفار لأنهم حين هموا بإخراجه أذن الله له في الخروج فكأنهم أخرجوه
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٨٠
﴿ ثَانِيَ اثْنَيْنِ ﴾ [التوبة : ٤٠] أحد اثنين كقوله " ثالث ثلاثة " وهما رسول الله وأبو بكر، وانتصابه على الحال ﴿ إِذْ هُمَا ﴾ [التوبة : ٤٠] بدل من ﴿ إِذْ أَخْرَجَهُ ﴾ [التوبة : ٤٠] ﴿ فِى الْغَارِ ﴾ [التوبة : ٤٠] هو نقب في أعلى ثور وهو جبل في يمنى مكة على مسيرة ساعة مكثا فيه ثلاثاً ﴿ إِذْ يَقُولُ ﴾ [طه : ١٠٤] بدل ثانٍ ﴿ لِصَـاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة : ٤٠] بالنصرة والحفظ.
قيل : طلع المشركون فوق الغار فأشفق أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال : إن تصب اليوم ذهب دين الله فقال عليه السلام :" ما ظنك باثنين الله ثالثهما ".
وقيل : لما دخل الغار بعث الله حمامتين فباضتا في أسفله والعنكبوت فنسجت عليه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :" اللهم أعم أبصارهم " فجعلوا يترددون حول الغار ولا يفطنون قد أخذ الله بأبصارهم عنه وقالوا : من أنكر صحبة أبي بكر فقد كفر لإنكاره كلام الله وليس ذلك لسائر الصحابة ﴿ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ ﴾ [الفتح : ٢٦] ما ألقى في قلبه من الأمنة التي سكن عندها وعلم أنهم لا يصلون إليه ﴿ عَلَيْهِ ﴾ على النبي صلى الله عليه وسلّم أو على أبي بكر لأنه كان يخاف وكان عليه السلام ساكن القلب ﴿ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا ﴾ [التوبة : ٤٠] هم الملائكة صرفوا وجوه الكفار وأبصارهم عن أن يروه، أو أيده بالملائكة يوم بدر والأحزاب وحنين
١٨٣
﴿ وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [التوبة : ٤٠] أي دعوتهم إلى الكفر ﴿ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ ﴾ [التوبة : ٤٠] دعوته إلى الإسلام ﴿ هِىَ ﴾ فصل ﴿ الْعُلْيَا ﴾ ﴿ وَكَلِمَةُ اللَّهِ ﴾ [التوبة : ٤٠] بالنصب : يعقوب بالعطف، والرفع على الاستئناف أوجه إذ هي كانت ولم تزل عالية ﴿ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ﴾ [البقرة : ٢٢٨] يعز بنصره أهل كلمته ﴿ حَكِيمٌ ﴾ يذل أهل الشرك بحكمته.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٨٠