﴿ انْفِرُوا خِفَافًا ﴾ [التوبة : ٤١] في النفور لنشاطكم له ﴿ وَثِقَالا ﴾ عنه لمشقته عليكم، أو خفافاً لقلة عيالكم وثقالاً لكثرتها، أو خفافاً من السلاح وثقالاً منه، أو ركباناً ومشاة أو شباباً وشيوخاً، أو مهازيل وسماناً، أو صحاحاً ومراضاً ﴿ وَجَـاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ﴾ إيجاب للجهاد بهما إن إمكن، أو بأحدهما على حسب الحال والحاجة ﴿ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ذَالِكُمْ ﴾ [التوبة : ٤١] الجهاد ﴿ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ [البقرة : ١٨٤] من تركه ﴿ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة : ١٨٤] كون ذلك خيراً فبادروا إليه.
ونزل في المتخلفين عن غزوة تبوك من المنافقين ﴿ لَوْ كَانَ عَرَضًا ﴾ [
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٨٤
التوبة : ٤٢] هو ما عرض لك من منافع الدنيا، يقال : الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر أي لو كان ما دعوا إليه مغنماً ﴿ قَرِيبًا ﴾ سهل المأخذ ﴿ وَسَفَرًا قَاصِدًا ﴾ [التوبة : ٤٢] وسطاً مقارباً، والقاصد والقصد المعتدل ﴿ اتَّبَعُوكَ ﴾ لوافقوك في الخروج ﴿ وَلَـاكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ﴾ [التوبة : ٤٢] المسافة الشاطة الشاقة ﴿ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ ﴾ [التوبة : ٤٢].
من دلائل النبوة لأنه أخبر بما سيكون بعد القفول فقالوا كما أخبر، و ﴿ بِاللَّهِ ﴾ متعلق بـ ﴿ سَيَحْلِفُونَ ﴾، أو هو من جملة كلامهم، والقول مراد في الوجهين أي سيحلفون ـ يعني المتخلفين ـ عند رجوعك من غزوة تبوك معتذرين يقولون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم، أو سيحلفون بالله يقولون لو استطعنا.
وقوله سد مسد جوابي القسم و ﴿ عَلَيْهِمْ لَوْ ﴾ [النساء : ٣٩] جميعاً.
ومعنى الاستطاعة استطاعة العدة أو استطاعة الأبدان كأنهم تمارضوا ﴿ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ ﴾ [التوبة : ٤٢] بدل من ﴿ سَيَحْلِفُونَ ﴾ أو حال منه أي مهلكين، والمعنى أنهم يهلكونها بالحلف الكاذب، أو حال من ﴿ لَخَرَجْنَا ﴾ أي لخرجنا معكم وإن أهلكنا
١٨٤
أنفسنا وألقيناها في التهلكة بما نحملها على المسير في تلك الشقة ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَـاذِبُونَ ﴾ [التوبة : ٤٢] فيما يقولون.
﴿ عَفَا اللَّهُ عَنكَ ﴾ [التوبة : ٤٣] كناية عن الزلة لأن العفو رادف لها وهو من لطف العتاب بتصدير العفو في الخطاب، وفيه دلالة فضله على سائر الأنبياء عليهم السلام حيث لم يذكر مثله لسائر الأنبياء عليهم السلام ﴿ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ ﴾ [التوبة : ٤٣] بيان لما كنى عنه بالعفو، ومعناه مالك أذنت لهم في القعود عن الغزو حين استأذنوك واعتلّوا لك بعللهم وهلا استأنيت بالإذن ﴿ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَـاذِبِينَ ﴾ [التوبة : ٤٣] يتبين لك الصادق في العذر من الكاذب فيه.
وقيل : شيئان فعلهما رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولم يؤمر بهما : إذنه للمنافقين، وأخذه الفدية من الأساري، فعاتبه الله.
وفيه دليل جواز الاجتهاد للأنبياء عليهم السلام لأنه عليه السلام إنما فعل ذلك بالاجتهاد، وإنما عوتب مع أن له ذلك لتركه الأفضل وهم يعاتبون على ترك الأفضل ﴿ لا يَسْتَئْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاخِرِ أَن يُجَـاهِدُوا ﴾ ليس من عادة المؤمنين أن يستأذنوك في أن يجاهدوا ﴿ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمُ بِالْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة : ٤٤] عدة لهم بأجزل الثواب.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٨٤
﴿ إِنَّمَا يَسْتَـاْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاخِرِ ﴾ يعني المنافقين وكانوا تسعة وثلاثين رجلاً ﴿ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [التوبة : ٤٥] شكوا في دينهم واضطربوا في عقيدتهم ﴿ فَهُمْ فِى رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ﴾ [التوبة : ٤٥] يتحيرون لأن التردد ديدن المتحير كما أن الثبات ديدن المتبصر ﴿ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لاعَدُّوا لَهُ ﴾ [التوبة : ٤٦] للخروج أو للجهاد ﴿ عِدَّةَ ﴾ أهبة لأنهم كانوا مياسير، ولما كان ﴿ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ ﴾ [التوبة : ٤٦] معطياً معنى نفي خروجهم واستعدادهم للغزو قيل :﴿ وَلَـاكِن كَرِهَ اللَّهُ انابِعَاثَهُمْ ﴾ [التوبة : ٤٦] نهوضهم للخروج كأنه قيل : ما خرجوا ولكن تثبطوا عن الخروج لكراهة انبعاثهم ﴿ فَثَبَّطَهُمْ ﴾ فكسلهم وضعف
١٨٥