مجرى على ظاهره لأن منكر البعث منكر للرؤية ﴿ حَتَّى ﴾ غاية لـ ﴿ كَذَّبُوا ﴾ لا لـ ﴿ خُسْرٍ ﴾ لأن خسرانهم لا غاية له ﴿ إِذَا جَآءَتْهُمُ السَّاعَةُ ﴾ [الأنعام : ٣١] أي القيامة لأن مدة تأخرها مع تابد ما بعدها كساعة واحدة ﴿ بَغْتَةً ﴾ فجأة وانتصابها على الحال يعني باغتة، أو على المصدر كأنه قيل : بغتتهم الساعة بغتة وهي ورود الشيء على صاحبه من غير علمه بوقته ﴿ قَالُوا يَـا أَبَانَا ﴾ نداء تفجع معناه ياحسرة احضري فهذا أوانك ﴿ يَـاحَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا ﴾ [الأنعام : ٣١] قصرنا ﴿ فِيهَآ ﴾ في الحياة الدنيا أو في الساعة أي قصرنا في شأنها وفي الإيمان بها ﴿ وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ ﴾ [الأنعام : ٣١] آثامهم ﴿ عَلَى ظُهُورِهِمْ ﴾ [الأنعام : ٣١] خص الظهر لأن المعهود حمل الأثقال على الظهور كما عهد الكسب بالأيدي، وهو مجاز عن اللزوم على وجه لا يفارقهم.
وقيل : إن الكافر إذا خرج من قبره استقبله أقبح شيء صورة وأخبثه ريحاً فيقول : أنا عملك السيء فطالما ركبتني في الدنيا وأنا أركبك اليوم ﴿ أَلا سَآءَ مَا يَزِرُونَ ﴾ [الأنعام : ٣١] بئس شيئاً يحملونه، وأفاد " إلا " تعظيم ما يذكر بعده ﴿ وَمَا الْحَيَواةُ الدُّنْيَآ إِلا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ﴾ [الأنعام : ٣٢] جواب لقولهم ﴿ إِنْ هِىَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا ﴾ [الأنعام : ٢٩] واللعب ترك ما ينفع بما لا ينفع، واللهو الميل عن الجد إلى الهزل.
قيل : ما أهل الحياة الدنيا إلا أهل لعب ولهو.
وقيل : ما أعمال الحياة الدنيا إلا لعب ولهو لا تعقب منفعة كما تعقب أعمال الآخرة المنافع العظيمة ﴿ وَلَلدَّارُ ﴾ مبتدأ ﴿ الاخِرَةَ ﴾ صفتها :﴿ وَلَدَارُ الاخِرَةِ ﴾ [يوسف : ١٠٩] بالإضافة : شامي.
أي ولدار الساعة الآخرة لأن الشيء لا يضاف إلى صفته.
وخبر المبتدأ على القراءتين ﴿ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام : ٣٢] وفيه دليل على أن ما سوى أعمال المتقين لعب ولهو ﴿ أَفَلا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة : ٤٤] بالتاء : مدني وحفص.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٣
ولما قال أبو جهل : ما نكذبك يا محمد وإنك عندنا لمصدق وإنما نكذب ما جئتنا به نزل ﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ ﴾ [الأنعام : ٣٣] الهاء ضمير الشأن ﴿ لَيَحْزُنُكَ الَّذِى يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ ﴾ [الأنعام : ٣٣] لا ينسبونك إلى الكذب.
وبالتخفيف : نافع وعلى من أكذبه إذا وجده كاذباً ﴿ وَلَـاكِنَّ الظَّـالِمِينَ بِـاَايَـاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ من أقامة الظاهر مقام المضمر، وفيه دلالة على أنهم ظلموا في جحودهم والتاء يتعلق بـ ﴿ يَجْحَدُونَ ﴾ أو بـ ﴿ الظَّـالِمِينَ ﴾ كقوله
١٥
﴿ فَظَلَمُوا بِهَا ﴾ [الأعراف : ١٠٣] (الاعراف : ٣٠١) والمعنى أن تكذيبك أمر راجع إلى الله لأنك رسوله المصدق بالمعجزات فهم لا يكذبونك في الحقيقة وإنما يكذبون الله، لأن تكذيب الرسول تكذيب المرسل.
﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ ﴾ [الأنعام : ٣٤] تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو دليل على أن قوله ﴿ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ ﴾ [الأنعام : ٣٣] ليس بنفي لتكذيبه وإنما هو من قولك لغلامك إذا أهانه بعض الناس " إنهم لم يهينوك وإنما أهانوني ﴿ فَصَبَرُوا ﴾ والصبر حبس النفس على المكروه ﴿ عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا ﴾ [الأنعام : ٣٤] على تكذيبهم وإيذائهم ﴿ حَتَّى أَتَـاـاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَـاتِ اللَّهِ ﴾ [الأنعام : ٣٤] لمواعيده من قوله ﴿ الْمَنصُورُونَ ﴾.
(الصافات : ١٧١، ٢٧١) ﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا ﴾ [غافر : ٥١] (غافر : ١٥) ﴿ وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِىْ الْمُرْسَلِينَ ﴾ بعض أنبائهم وقصصهم وما كابدوا من مصابرة المشركين، وأجاز الأخفش أن تكون " من " زائدة والفاعل ﴿ نَّبَإِىْ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الأنعام : ٣٤] وسيبويه لا يجيز زيادتها في الواجب كان يكبر على النبي صلى الله عليه وسلّم كفر قومه وإعراضهم ويحب مجيء الآيات ليسلموا فنزل ﴿ وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ ﴾ [الأنعام : ٣٥] عظم وشق ﴿ إِعْرَاضُهُمْ ﴾
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٣